يجوز الاعتراض بين المبتدأ وخبره ، وحكى ابن عطية عن قوم منع نصبه على القطع من أجل حرف العطف لأن القطع لا يكون في العطف وإنما يكون في النعوت ، ومن ادعى أن هذا من باب القطع في العطف تمسك بما أنشده سيبويه للقطع مع حرف العطف من قوله :
ويأوي إلى نسوة عطل |
|
وشعثا مراضيع مثل السعالي |
وقال الكسائي : هو مجرور بالعطف على (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) على أن المراد بهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، قيل : وليس المراد بإقامة الصلاة على هذا أداؤها بل إظهارها بين الناس وتشريعها ليكون وصفا خاصا ، وقيل : المراد بالمقيمين الملائكة لقوله تعالى : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ٢٠] ، وقيل : المسلمون بتقدير مضاف أي وبدين المقيمين ، وقال قوم : إنه معطوف على ضمير (مِنْهُمْ) ، وقيل ضمير (إِلَيْكَ) ، وقيل : ضمير (قَبْلِكَ) والبصريون لا يجيزون هذه الأوجه الثلاثة لما فيها من العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار ، وقد تقدم الكلام في ذلك ، وزعم بعض المتأخرين أن الأشبه نصبه على التوهم لكون السابق مقام ـ لكن ـ المثقلة وضع موضعها (لكِنِ) المخففة ، ولا يخفى ما فيه ، وبالجملة لا يلتفت إلى من زعم أن هذا من لحن القرآن ، وأن الصواب والمقيمون بالواو كما في مصحف عبد الله ، وهي قراءة مالك بن دينار والجحدري وعيسى الثقفي إذ لا كلام في نقل النظم تواترا فلا يجوز اللحن فيه أصلا ، وأما ما روي أنه لما فرغ من المصحف أتى به إلى عثمان رضي الله تعالى عنه فقال : قد أحسنتم وأجملتم أرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها ، ولو كان المملي من هذيل والكاتب من قريش لم يوجد فيه هذا ، فقد قال السخاوي : إنه ضعيف ، والإسناد فيه اضطراب وانقطاع فإن عثمان رضي الله تعالى عنه جعل للناس إماما يقتدون به ، فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها ، وقد كتب عدة مصاحف وليس فيها اختلاف أصلا إلا فيما هو من وجوه القراءات ، وإذا لم يقمه هو ومن باشر الجمع وهم هم كيف يقيمه غيرهم؟! وتأول قوم اللحن في كلامه على تقدير صحته عنه بأن المراد الرمز والإيماء كما في قوله :
منطق رائع وتلحن أحيا |
|
نا وخير الكلام ما كان لحنا |
أي المراد به الرمز بحذف بعض الحروف خطا كألف الصابرين مما يعرفه القراء إذا رأوه ، وكذا زيادة بعض الحروف وقد قدمنا لك ما ينفعك هنا فتذكر.
ثم الظاهر أن المقيمين على قراءة الرفع معطوف على سابقه وينزل أيضا التغاير العنواني منزلة التغاير الذاتي ، والعطف على ضمير (يُؤْمِنُونَ) ليس بشيء وكذا الحال في قوله تعالى :
(وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فإن المراد بالكل مؤمنو أهل الكتاب وصفوا أولا بكونهم راسخين في علم الكتاب لا يعترضهم شك ولا تزلزلهم شبهة إيذانا بأن ذلك موجب للإيمان وأن من عداهم إنما بقوا مصرين لعدم رسوخهم فيه ، بل هم كريشة في بيداء الضلال تقلبهم زعازع الشكوك والأوهام ، ثم بكونهم مؤمنين بجميع ما أنزل من الكتاب على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ثم بكونهم عاملين بما فيها من الأحكام ، واكتفى من بينها بذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المستتبعين لسائر العبادات البدنية والمالية ، ولما أن في إقامة الصلاة على وجهها انتصابا بين يدي الحق جل جلاله ، وانقطاعا عن السوي ، وتوجها إلى المولى كسا المقيمين حلة النصب ليهون عليهم النصب وقطعهم عن التبعية ، فيا ما أحيلى قطع يشير إلى الاتصال بأعلى الرتب ، ثم وصفهم بكونهم بالمبتدإ والمعاد تحقيقا لحيازتهم الإيمان بقطريه ، وإحاطتهم به من طرفيه ، وتعريضا بأن من عداهم من أهل الكتاب ليسوا مؤمنين بواحد منهما حقيقة لأنهم قد مزجوا الشهد سما وغدوا عن اتباع الحق الصرف عميا وصما (أُولئِكَ) إشارة إلى