لنبوته وقطعا لما رآه اليهود فيه ، وقيل : ليكون الابتداء بواحد من أولي العزم بعد تغير صفة المتعاطفات إفرادا وجمعا وكل هذه الأسماء ـ على ما ذكره أبو البقاء ـ أعجمية إلا الأسباط ، وفي ذلك خلاف معروف ، وفي (يُونُسَ) لغات أفصحها ضم النون من غير همز ، ويجوز فتحها وكسرها مع الهمز وتركه (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) عطف على أوحينا داخل في حكمه لأن إيتاء الزبور من باب الإيحاء ، وكما آتينا داود زبورا ـ وإيثاره على أوحينا إلى داود ـ لتحقق المماثلة في أمر خاص ، وهو إيتاء الكتاب بعد تحققها في مطلق الإيحاء ؛ والزبور بفتح الزاي عند الجمهور وهو فعول بمعنى مفعول ـ كالحلوب والركوب ـ كما نص عليه أبو البقاء.
وقرأ حمزة وخلف (زَبُوراً) بضم الزاي حيث وقع ، وهو جمع زبر بكسر فسكون بمعنى مزبور أي مكتوب ، أو زبر بالفتح والسكون كفلس وفلوس ، وقيل : إنه مصدر كالقعود والجلوس ، وقيل : إنه جمع زبور على حذف الزوائد ، وعلى العلات جعل اسما للكتاب المنزل على داود عليهالسلام ، وكان إنزاله عليه عليهالسلام منجما وبذلك يحصل الإلزام ، وكان فيه ـ كما قال القرطبي ـ مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم من الأحكام ، وإنما هي حكم ومواعظ والتحميد والتمجيد والثناء على الله تعالى شأنه (وَرُسُلاً) نصب بمضمر أي أرسلنا رسلا ؛ والقرينة عليه قوله سبحانه : (أَوْحَيْنا) السابق لاستلزامه الإرسال ، وهو معطوف عليه داخل معه في حكم التشبيه ، وقيل : القرينة قوله تعالى : (قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ) لا أنه منصوب ـ بقصصنا ـ بحذف مضاف أي قصصنا أخبار رسل ، ولا أنه منصوب بنزع الخافض أي كما أوحينا إلى نوح وإلى رسل ـ كما قيل ـ لخلوه عما في الوجه الأول من تحقيق المماثلة بين شأنه صلىاللهعليهوسلم وبين شئون من يعترفون بنبوته من الأنبياء عليهمالسلام في مطلق الإيحاء ، ثم في إيتاء الكتاب ، ثم في الإرسال ، فإن قوله سبحانه : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) منتظم لمعنى (آتَيْناكَ) و (أَرْسَلْناكَ) حتما فكأنه قيل : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى فلان وفلان ، وآتيناك مثل ما آتينا فلانا ، وأرسلناك مثل ما أرسلنا الرسل الذي قصصناهم وغيرهم ولا تفاوت بينك وبينهم في حقيقة الإيحاء والإرسال فما للكفرة يسألونك شيئا لم يعطه أحد من هؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام ، ومعنى قصصهم عليه عليه الصلاة والسلام حكاية إخبارهم له وتعريف شأنهم وأمورهم (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل هذه السورة ، أو اليوم ، قيل : قصصهم عليه صلىاللهعليهوسلم بمكة في سورة الأنعام وغيرها ، وقال بعضهم : قصهم سبحانه عليه عليه الصلاة والسلام بالوحي في غير القرآن ثم قصهم عليهم بعد في القرآن (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) أي من قبل فلا تنافي الآية ما ورد في الخبر من أن الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر ، والأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، وعن كعب أنهم ألف ألف وأربعمائة ألف وأربعة وعشرون ألفا لأن نفي قصهم من قبل لا يستلزم نفي قصهم مطلقا فإن نفي الخاص لا يستلزم نفي العام ، فيمكن أن يكون قصهم عليه صلىاللهعليهوسلم بعد فعلمهم ، فأخبر بما أخبر على أن القبلية تفهم من الكلام ولو لم تكن في القابل لأن (لَمْ) في المشهور إذا دخلت على المضارع تقلب معناه للمضي على أن القص ذكر الأخبار ، ولا يلزم من نفي ذكر أخبارهم له صلىاللهعليهوسلم نفي ذكر عددهم مجردا من ذكر الأخبار والقصص ، فيمكن أن يقال : لم يذكر سبحانه له صلىاللهعليهوسلم أخبارهم أصلا لكن ذكر جل شأنه له عليه الصلاة والسلام أنهم كذا رجلا فاندفع ما توهمه بعض المعاصرين من أن الآية نص في عدم علمه «وحاشاه عليه الصلاة والسلام» عدة المرسلين عليهم الصلاة والسلام فيأخذ بها ويرد الحديث وكأن الذي أوقعه في الوهم كلام بعض المحققين. والأولى أن لا يقتصر على عدد الآية ، فأخطأ في الفهم ومات في ربقة التقليد نسأل الله تعالى العافية.
(وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى) برفع الجلالة ونصب موسى ، وعن إبراهيم ويحيى بن وثاب أنهما قرءا على القلب.
(تَكْلِيماً) مصدر مؤكد رافع لاحتمال المجاز على ما ذكره غير واحد ، ونظر فيه الشهاب بأنه مؤكد للفعل