وأما قولهم : إن الاتحاد بالناسوت الجزئي دون الكلي فمحال لأدلة إبطال الاتحاد وحلول القديم بالحادث وبذلك يبطل قولهم : إن مريم ولدت إلها ، وقولهم : القتل وقع على اللاهوت والناسوت معا على أنه يوجب موت الإله وهو بديهي البطلان ، وأما قول من قال : إن المسيح مع اتحاد جوهره قديم من وجه محدث من وجه فباطل لأنه إذا كان جوهر المسيح متحدا لا كثرة فيه ، فالحدوث إما أن يكون لعين ما قيل بقدمه ، أو لغيره فإن كان الأول فهو محال وإلا لكان الشيء الواحد قديما لا أول له حادثا له أول وهو متناقض ، وإن كان الثاني فهو خلاف المفروض ، وأما قول من قال : إن الكلمة مرت بمريم كمرور الماء في الميزاب فيلزم منه انتقال الكلمة وهو ممتنع كما لا يخفى ، وبه يبطل قول من قال : إن الكلمة كانت تدخل جسد المسيح تارة وتفارقه أخرى ، وقولهم : إن ما ظهر من صورة المسيح في الناسوت لم يكن جسما بل خيالا كالصورة المرئية في المرآة باطل لأن من أصلهم أن المسيح إنما أحيا الميت وأبرأ الأكمه والأبرص بما فيه من اللاهوت ، فإذا كان ما ظهر فيه من اللاهوت لا حقيقة له بل هو خيال محض لا يصلح لحدوث ما حدث عن الإله عنه ، والقول : بأن أقنوم الحياة مخلوق حادث ليس كذلك لقيام الأدلة على قدم الصفات فهو قديم أزلي كيف وأنه لو كان حادثا لكان الإله قبله غير حي ، ومن ليس بحي لا يكون عالما ولا ناطقا ، وقول من قال : إن المسيح مخلوق قبل العالم وهو خالق لكل شيء باطل لقيام الأدلة على أنه كان الله تعالى ولا شيء غيره.
وأما الأمانة التي هم بها متقربون وبما حوته متعبدون فبيان اضطرابها وتناقضها وتهافتها من وجوه : الأول أن قولهم : نؤمن بالواحد الأب صانع كل شيء ، يناقض قولهم : وبالرب الواحد المسيح إلخ مناقضة لا تكاد تخفى ، الثاني أن قولهم : إن يسوع المسيح ابن الله تعالى بكر الخلائق مشعر بحدوث المسيح إذ لا معنى لكونه ابنه إلا تأخره عنه إذ الوالد والولد لا يكونان معا في الوجود وكونهما معا مستحيل ببداهة العقول لأن الأب لا يخلو إما أن يكون ولد ولدا لم يزل أو لم يكن ، فإن قالوا : ولد ولدا لم يزل ، قلنا : فما ولد شيئا إذ الابن لم يزل وإن ولد شيئا لم يكن ، فالولد حادث مخلوق وذلك مكذب لقولهم : إله حق من إله حق من جوهر أبيه وأنه أتقن العوالم بيده وخلق كل شيء ، الثالث أن قولهم : إله حق من إله حق من جوهر أبيه يناقضه قول المسيح في الإنجيل : وقد سئل عن يوم القيامة فقال : لا أعرفه ولا يعرفه إلا الأب وحده ، فلو كان من جوهر الأب لعلم ما يعلمه الأب على أنه لو جاز أن يكون إله ثان من إله أول لجاز أن يكون إله ثالث من إله ثان ولما وقف الأمر على غاية وهو محال ، الرابع أن قولهم : إن يسوع أتقن العوالم بيده وخلق كل شيء باطل مكذب لما في الإنجيل إذ يقول متى : هذا مولد يسوع المسيح ابن داود ، وأيضا خالق العالم لا بد وأن يكون سابقا عليه وأنى يسبق المسيح وقد ولدته مريم؟! وأيضا في الإنجيل إن إبليس قال للمسيح : اسجد لي وأعطيك جميع العالم وأملكك كل شيء ولا زال يسحبه من مكان إلى مكان ويحول بينه وبين مراده ويطمع في تعبده له فكيف يكون خالق العالم محصورا في يد بعض العالم؟! نعوذ بالله تعالى من الضلالة.
الخامس أن قولهم : المسيح الإله الحق الذي نزل من السماء لخلاص الناس وتجسد من روح القدس وصار إنسانا وحبل به وولد ، فيه عدة مفاسد : منها أن المسيح لا يخص مجرد الكلمة ولا مجرد الجسد بل هو اسم يخص هذا الجسد الذي ولدته مريم عليهاالسلام ولم تكن الكلمة في الأزل مسيحا فبطل أن يكون هو الذي نزل من السماء ، ومنها أن الذي نزل من السماء لا يخلو إما أن يكون الكلمة أو الناسوت ، فإن زعموا أن الذي نزل هو الناسوت فكذب صراح لأن ناسوته من مريم ، وإن زعموا أنه اللاهوت فيقال : لا يخلو إما أن يكون الذات أو العلم المعبر عنه بالكلمة فإن كان الأول لزم لحوق النقائص للباري عز اسمه ، وإن كان الثاني لزم انتقال الصفة وبقاء الباري بلا علم وذلك باطل.