اللام مع الشر دون على ، وهو خلاف ما في الآية ، وقيل : المراد لكل ، وعلى كل من الفريقين مقدار من الثواب والعقاب حسبما رتبه الحكيم على أفعاله إلا أنه استغني باللام عن على وبالاكتساب عن الكسب ـ وهو كما ترى ـ ويرد على هذه المعاني أنه لا يساعدها النظم الكريم المتعلق بالمواريث وفضائل الرجال. ولعل من يذهب إليها يجعل الآية معترضة في البين.
وذكر بعضهم أن معنى الآية على الوجه الأول المروي عن أبي عبد الله وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أن لكل فريق من الرجال والنساء نصيبا مقدرا في أزل الآزال من نعيم الدنيا بالتجارات والزراعات وغير ذلك من المكاسب فلا يتمنّ خلاف ما قسم له (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) عطف على النهي بعد تقرير الانتهاء بالتعليل كأنه قيل : لا تتمنوا نصيب غيركم ولا تحسدوا من فضل عليكم واسألوا الله تعالى من إحسانه الزائد وإنعامه المتكاثر فإن خزائنه مملوءة لا تنفد أبدا ، والمفعول محذوف إفادة للعموم أي واسألوا ما شئتم فإنه سبحانه يعطيكموه إن شاء ، أو لكونه معلوما من السياق ، أي واسألوا مثله ، ويقال لذلك : غبطة. وقيل : (مِنْ) زائدة أي واسألوا الله تعالى فضله ، وقد ورد في الخبر «لا يتمنين أحدكم مال أخيه ولكن ليقل اللهم ارزقني اللهم أعطني مثله» وذهب بعض العلماء ـ كما في البحر ـ إلى المنع عن تمني مثل نعمة الغير ولو بدون تمني زوالها لأن تلك النعمة ربما كانت مفسدة له في دينه ومضرة عليه في دنياه ، فلا يجوز عنده أن يقول : اللهم أعطني دارا مثل دار فلان ولا زوجا مثل زوجه بل ينبغي أن يقول : اللهم أعطني ما يكون صلاحا لي في ديني ودنياي ومعادي ومعاشي ، ولا يتعرض لمن فضل عليه ، ونسب ذلك للمحققين وهم محجوجون بالخبر اللهم إلا إذا لم يسلموا صحته ، وقيل : المعنى لا تتمنوا الدنيا بل اسألوا الله تعالى العبادة التي تقربكم إليه ، وإلى هذا ذهب ابن جبير وابن سيرين ، وأخرج ابن المنذر عن الثاني أنه إذا سمع الرجل يتمنى الدنيا يقول : قد نهاكم الله تعالى عن هذا ويتلو الآية ، والظاهر العموم ، وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «سلوا الله تعالى من فضله فإن الله تعالى يحب أن يسأل وإن من أفضل العبادة انتظار الفرج» وقال ابن عيينة : لم يأمر سبحانه بالمسألة إلا ليعطي (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) ولذلك فضل بعض الناس على بعض حسب مراتب استعداداتهم وتفاوت قابلياتهم.
ويحتمل أن يكون المعنى أنه تعالى لم يزل ولا يزال عليما بكل شيء فيعلم ما تضمرونه من الحسد ويجازيكم عليه (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) لا بد فيه من تقدير مضاف إليه أي لكل إنسان ، أو لكل قوم ، أو لكل مال أو تركة وفيه على هذا وجوه ذكرها الشهاب نور الله تعالى مرقده : الأول أنه على التقدير الأول معناه لكل إنسان موروث جعلنا موالي أي وراثا مما ترك وهنا تم الكلام ، فيكون (مِمَّا تَرَكَ) متعلقا بموالي أو بفعل مقدر ، و (مَوالِيَ) مفعولا أولا ـ لجعل ـ بمعنى صير ، و (لِكُلٍ) هو المفعول الثاني له قدم عليه لتأكيد الشمول ودفع توهم تعلق الجعل ببعض دون بعض ، وفاعل (تَرَكَ) ضمير كل ، ويكون (الْوالِدانِ) مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل : ومن الوارث؟ فقيل : هم (الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) ، والثاني أن التقدير لكل إنسان موروث جعلنا وراثا مما تركه ذلك الإنسان ، ثم بين ذلك الإنسان بقوله سبحانه : (الْوالِدانِ) كأنه قيل : ومن هذا الإنسان الموروث؟ فقيل : (الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) وإعرابه كما قبله غير أن الفرق بينهما أن (الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) في الأول وارثون ، وفي الثاني موروثون ، وعليهما فالكلام جملتان ، والثالث أن التقدير ولكل إنسان وارث ـ مما تركه الوالدان والأقربون جعلنا موالي ـ أي موروثين ، ـ فالمولى ـ الموروث و (الْوالِدانِ) مرفوع ب (تَرَكَ) وما بمعنى من ، والجار والمجرور صفة ما أضيفت إليه كل ، والكلام جملة واحدة ، والرابع أنه على التقدير الثاني معناه ، ولكل قوم جعلناهم (مَوالِيَ)