ومن الناس من جعل (إِلَيْهِ) متعلقا بمقدر أي مقربين إليه ، أو مقربا إياهم إليه على أنه حال من الفاعل أو المفعول ، ومنهم من جعله حالا من (صِراطاً) ثم قال : ليس لقولنا : (يَهْدِيهِمْ) طريق الإسلام إلى عبادته كبير معنى ، فالأوجه أن يجعل (صِراطاً) بدلا من (إِلَيْهِ) وتعقبه عصام الملة والدين بأن قولنا : (يَهْدِيهِمْ) طريق الإسلام موصلا إلى عبادته معناه واضح ، ولا وجه لكون (صِراطاً) بدلا من الجار والمجرور فافهم (يَسْتَفْتُونَكَ) أي ـ في الكلالة ـ استغني عن ذكره لوروده في قوله تعالى : (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) والجار متعلق ب (يُفْتِيكُمْ) ، وقال الكوفيون : ب (يَسْتَفْتُونَكَ) وضعفه أبو البقاء بأنه لو كان كذلك لقال يفتيكم فيها في الكلالة ، وقد مر تفسير الكلالة في مطلع السورة ، والآية نزلت في جابر بن عبد الله كما أخرجه عنه ابن أبي حاتم وغيره.
وأخرج الشيخان وخلق كثير عنه قال : «دخل عليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا مريض لا أعقل فتوضأ ثم صب عليّ فعقلت ، فقلت : إنه لا يرثني إلا كلالة فكيف الميراث؟ فنزلت آية الفرائض» وهي آخر آية نزلت ، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن البراء قال : آخر سورة نزلت كاملة براءة ، وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء ، والمراد من الآيات المتعلقة بالأحكام ـ كما نص على ذلك المحققون ، وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى ـ وتسمى آية الصيف ، أخرج مالك ومسلم عن عمر رضي الله تعالى عنه قال : «ما سألت النبي صلىاللهعليهوسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري ، وقال : يكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء» (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) استئناف مبين للفتيا ، وارتفع (امْرُؤٌ) بفعل يفسره المذكور على المشهور ، وقوله تعالى : (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) صفة له ولا يضر الفصل بالمفسر لأنه تأكيد ، وقيل : حال منه ، واعترض بأنه نكرة ، ومجيء الحال منها خلاف الظاهر إذ المتبادر في الجمل الواقعة بعد النكرات أنها صفات ، وقال الحلبي : يصح كونه حالا منه ؛ و (هَلَكَ) ، صفة له ، وجعله أبو البقاء حالا من الضمير المستكن في (هَلَكَ) وقيل عليه : إن المفسر غير مقصود حتى ادعى بعضهم أنه لا ضمير فيه لأنه تفسير لمجرد الفعل بلا ضمير ، وإن رد بقوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) [الإسراء : ١٠٠] ، وقال أبو حيان : الذي يقتضيه النظم أن ذلك ممتنع ، وذلك لأن المسند إليه في الحقيقة إنما هو الاسم الظاهر المعمول للفعل المحذوف فهو الذي ينبغي أن يكون التقييد له ، أما الضمير فإنه في جملة مفسرة لا موضع لها من الإعراب فصارت كالمؤكدة لما سبق ، وإذا دار الاتباع والتقييد بين مؤكد ومؤكد فالوجه أن يكون للمؤكد بالفتح إذ هو معتمد الإسناد الأصلي ، ووافقه الحلبي ، وقال السفاقسي : الأظهر أن هذا مرجح لا موجب ، والمراد من ـ الولد ـ على ما اختاره البعض الذكر لأنه المتبادر ولأن الأخت وإن ورثت مع البنت ـ عند غير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والإمامية ـ لكنها لا ترث النصف بطريق الفرضية ، وتعقبه بعض المحققين مختارا العموم بأنه تخصيص من غير مخصص ، والتعليل بأن الابن يسقط الأخت دون البنت ليس بسديد لأن الحكم تعيين النصف ، وهذا ثابت عند عدم الابن والبنت غير ثابت عند وجود أحدهما ، أما الابن فلأنه يسقط الأخت ، وأما البنت فلأنها تصيرها عصبة فلا يتعين لها فرض ، نعم يكون نصيبها مع بنت واحدة النصف بحكم العصوبة لا الفرضية فلا حاجة إلى تفسير الولد بالابن لا منطوقا ولا مفهوما ، وأيضا الكلام في الكلالة ـ وهو من لا يكون له ولد أصلا ـ وكذا ما لا يكون له والد إلا أنه اقتصر على عدم ذكر الولد ثقة بظهور الأمر والولد مشترك معنوي في سياق النفي فيعم ، فلا بد للتخصيص من مخصص وأنى به؟ فليفهم ، وقوله تعالى : (وَلَهُ أُخْتٌ) عطف على ليس له ولد ، ويحتمل الحالية ، والمراد بالأخت الأخت من الأبوين والأب لأن الأخت من الأم فرضها السدس ، وقد مر بيانه في صدر السورة الكريمة.
(فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) أي بالفرض والباقي للعصبة ، أو لها بالردّ إن لم يكن له عصبة ، والفاء واقعة في جواب الشرط (وَهُوَ) أي المرء المفروض (يَرِثُها) أي أخته المفروضة إن فرض هلاكها مع بقائه ، والجملة مستأنفة لا