نصيب ـ مما تركه والداهم وأقربوهم ، فلكل خبر نصيب المقدر مؤخرا وجعلناهم صفة قوم ؛ والعائد الضمير المحذوف الذي هو مفعول جعل ، وموالي : إما مفعول ثان ، أو حال و (مِمَّا تَرَكَ) صفة المبتدأ المحذوف الباقي صفته كصفة المضاف إليه وحذف العائد منها.
ونظيره قولك : لكل من خلقه الله تعالى إنسانا من رزق الله تعالى ، أي لكل واحد خلقه الله تعالى إنسانا نصيب من رزق الله تعالى ، والخامس أنه على التقدير الثالث معناه لكل مال أو تركة (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) جعلنا موالي أي وراثا يلونه ويحوزونه ، ويكون (لِكُلٍ) متعلقا ـ بجعل ـ و (مِمَّا تَرَكَ) صفة كل ، واعترض على الأول والثاني بأن فيهما تفكيك النظم الكريم مع أن المولى يشبه أن يكون في الأصل اسم مكان لا صفة فكيف تكون من صلة له؟ وأجيب عن هذا بأن ذلك لتضمنه معنى الفعل كما أشير إليه على أن كون المولى ليس صفة مخالف لكلام الراغب فإنه قال : إنه بمعنى الفاعل والمفعول أي الموالي والموالي لكن وزن مفعل في الصفة أنكره قوم ، وقال ابن الحاجب في شرح المفصل : إنه نادر ، فإما أن يجعل من النادر أو مما عبر عن الصفة فيه باسم المكان مجازا لتمكنها وقرارها في موصوفها ، ويمكن أن يجعل من باب المجلس السامي ، واعترض على الثالث بالبعد وعلى الرابع بأن فيه حذف المبتدأ الموصوف بالجار والمجرور وإقامته مقامه وهو قليل ، وبأن لكل قوم من الموالي جميع ما ترك الوالدان والأقربون لا نصيب وإنما النصيب لكل فرد ، وأجيب عن الأول بأنه ثابت مع قلته كقوله تعالى : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن : ١١] ؛ وعن الثاني بأن ما يستحقه القوم بعض التركة لتقدم التجهيز والدين والوصية إن كانا ، وأما حمل من على البيان للمحذوف فبعيد جدا ، وتعقب الشهاب الجواب عن الأول بأن فيه خللا من وجهين : أما أولا فلأن ما ذكر لا شاهد له فيه لما قرره النحاة أن الصفة إذا كانت جملة أو ظرفا تقام مقام موصوفها بشرط كون المنعوت بعض ما قبله من مجرور بمن ، أو في ، وإلا لم تقم مقامه إلا في شعر ، وما ذكر داخل فيه دون الآية ، وأما ثانيا فلأنه ليس المراد بقيامها مقامه أن تكون مبتدأ حقيقة بل المبتدأ محذوف وهذا بيانه كما أشير إليه في التقرير فلا وجه لاستبعاده ، نعم ما ذكروه وإن كان مشهورا غير مسلم ، فإن ابن مالك صرح بخلافه في التوضيح ، وجوز حذف الموصوف في السعة بدون ذلك الشرط. فالحق أنه أغلبي لا كلي ، واعترض على الخامس بأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بجملة عاملة في الموصوف نحو ـ بكل رجل مررت تميمي ـ وفي جوازه نظر ، ورد بأنه جائز كما في قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : ١٤] ففاطر صفة الاسم الجليل وقد فصل بينهما ـ بأتخذ ـ العامل في غير ، فهذا أولى ، والجواب بأن العامل لم يتخلل بل المعمول تقدم فجاء التخلل من ذلك فلم يضعف إذ حق المعمول التأخر عن عامله وحينئذ يكون الموصوف مقرونا بصفته تكلف مستغنى عنه ، واختار جمع من المحققين هذا الخامس والذي قبله ، وجعلوا الجملة مبتدأة مقررة لمضمون ما قبلها ، واعترضوا على الوجه الأول بأن فيه خروج الأولاد لأنهم لا يدخلون في الأقربين عرفا كما لا يدخل الوالدان فيهم ، وإذا أريد المعنى اللغوي شمل الوالدين ، ورد بأن هذا مشترك الورود على أنه قد أجيب عنه بأن ترك الأولاد لظهور حالهم من آية المواريث كما ترك ذكر الأزواج لذلك ، أو بأن ذكر الوالدين لشرفهم والاهتمام بشأنهم فلا محذور من هذه الحيثية تدبر (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) هم موالي الموالاة.
أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة قال : كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك فجعل له السدس من جميع المال في الإسلام ، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم ، فنسخ ذلك بعد في سورة الأنفال بقوله سبحانه : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) [الأنفال : ٧٥].