شيخ الإسلام : إن إضافة الرب إلى ضمير (آمِّينَ) على قراءة الخطاب للإيماء إلى اقتصار التشريف عليهم وحرمان المخاطبين عنه وعن نيل المبتغى ، وفي ذلك من تعليل النهي وتأكيده والمبالغة في استنكار المنهي عنه ما لا يخفى (وَإِذا حَلَلْتُمْ) من الإحرام المشار إليه بقوله سبحانه : (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ فَاصْطادُوا) أي فلا جناح عليكم بالاصطياد لزوال المانع ، فالأمر للإباحة بعد الحظر ومثله لا تدخلن هذه الدار حتى تؤدي ثمنها فإذا أديت فادخلها أي إذا أديت أبيح لك دخولها ، وإلى كون الأمر للإباحة بعد الحظر ذهب كثير.
وقال صاحب القواطع : إنه ظاهر كلام الشافعي في أحكام القرآن ، ونقله ابن برهان عن أكثر الفقهاء والمتكلمين لأن سبق الحظر قرينة صارفة ، وهو أحد ثلاثة مذاهب في المسألة ، ثانيها أنه للوجوب لأن الصيغة تقتضيه ، ووروده بعد الحظر لا تأثير له ، وهو اختيار القاضي أبي الطيب والشيخ أبي إسحاق والسمعاني والإمام في المحصول ، ونقله الشيخ أبو حامد الأسفرايني في كتابه عن أكثر الشافعية ، ثم قال : وهو قول كافة الفقهاء وأكثر المتكلمين ، وثالثها الوقف بينهما ، وهو قول إمام الحرمين مع كونه أبطل الوقف في لفظه ابتداء من غير تقدم حظر ، ولا يبعد على ـ ما قاله الزركشي ـ أن يقال هنا برجوع الحال إلى ما كان قبل ، كما قيل في مسألة النهي الوارد بعد الوجوب. ومن قال : إن حقيقة الأمر المذكور للإيجاب قال : إنه مبالغة في صحة المباح حتى كأنه واجب ، وقيل : إن الأمر في مثله لوجوب اعتقاد الحل فيكون التجوز في المادة كأنه قيل : اعتقدوا حل الصيد وليس بشيء ، وقرئ ـ أحللتم ـ وهو لغة في حل ، وعن الحسن أنه قرئ (فَاصْطادُوا) بكسر الفاء بنقل حركة همزة الوصل عليها ، وضعفت من جهة العربية بأن النقل إلى المتحرك مخالف للقياس ، وقيل : إنه لم يقرأ بكسرة محضة بل أمال لإمالة الطاء ، وإن كانت من المستعلية (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) أي لا يحملنكم كما فسره به قتادة ، ونقل عن ثعلب والكسائي وغيرهما ، وأنشدوا له بقوله :
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة |
|
جرمت فزارة بعدها أن تغضبا |
فجرم على هذا يتعدى لواحد بنفسه ، وإلى الآخر بعلى ، وقال الفراء وأبو عبيدة : المعنى لا يكسبنكم ، وجرم جار مجرى كسب في المعنى ، والتعدي إلى مفعول واحد وإلى اثنين يقال : جرم ذنبا نحو كسبه ، وجرمته ذنبا نحو كسبته إياه خلا أن جرم يستعمل غالبا في كسب ما لا خير فيه ، وهو السبب في إيثاره هاهنا على الثاني ، ومنه الجريمة ، وأصل مادته موضوعة لمعنى القطع لأن الكاسب ينقطع لكسبه ، وقد يقال : أجرمته ذنبا على نقل المتعدي إلى مفعول بالهمزة إلى مفعولين كما يقال : أكسبته ذنبا ، وعليه قراءة عبد الله «لا يجرمنكم» بضم الياء (شَنَآنُ قَوْمٍ) بفتح النون ؛ وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ، وإسماعيل عن نافع بسكونها ، وفيهما احتمالان : الأول أن يكونا مصدرين بمعنى البغض أو شدته شذوذا لأن فعلان بالفتح مصدر ما يدل على الحركة ـ كجولان ـ ولا يكون لفعل متعد كما قال : س ، وهذا متعد إذ يقال : شنئته ، ولا دلالة له على الحركة إلا على بعد ، وفعلان بالسكون في المصادر قليل نحو ـ لويته ليانا ـ بمعنى مطلته ، والثاني أن يكونا صفتين لأن فعلان في الصفات كثير كسكران ، وبالفتح ورد فيها قليلا ـ كحمار قطوان عسر السير ، وتيس عدوان كثير العدو ـ فإن كان مصدرا فالظاهر أن إضافته إلى المفعول أي إن تبغضوا قوما ، وجوز أن تكون إلى الفاعل أي إن يبغضكم قوم ، والأول أظهر ـ كما في البحر ـ وإن كان وصفا فهو بمعنى بغيض ، وإضافته بيانية وليس مضافا إلى مفعوله أو فاعله كالمصدر أي البغيض من بينهم (أَنْ صَدُّوكُمْ) بفتح الهمزة بتقدير اللام على أنه علة ـ للشنآن ـ أي لأن صدوكم عام الحديبية ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة على أن (أَنْ) شرطية ، وما قبلها دليل الجواب ، أو الجواب على القول المرجوح بجواز تقدمه ، وأورد على ذلك أنه لا صد بعد فتح مكة.