إباحته ، وأجمعت الإمامية على حرمته ، ورويت الكراهة فيه عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن مسعود رضي الله تعالى عنه (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) إقحام اللحم لما مر ، وأخذ داود وأصحابه بظاهره فحرموا اللحم وأباحوا غيره ، وظاهر العطف أنه حرام حرمة غيره ، وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة أنه قال : «من أكل لحم الخنزير عرضت عليه التوبة فإن تاب وإلا قتل» وهو غريب ، ولعل ذلك لأن أكله صار اليوم من علامات الكفر كلبس الزنار ، وفيه تأمل (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أي رفع الصوت لغير الله تعالى عند ذبحه ، والمراد بالإهلال هنا ذكر ما يذبح له ـ كاللات والعزى ـ (وَالْمُنْخَنِقَةُ) قال السدي : هي التي يدخل رأسها بين شعبتين من شجرة فتختنق فتموت ، وقال الضحاك وقتادة : هي التي تختنق بحبل الصائد فتموت.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كان أهل الجاهلية يخنقون البهيمة ويأكلونها فحرم ذلك على المؤمنين ، والأولى أن تحمل على التي ماتت بالخنق مطلقا (وَالْمَوْقُوذَةُ) أي التي تضرب حتى تموت ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة والسدي ، وهو من وقذته بمعنى ضربته ، وأصله أن تضربه حتى يسترخي ، ومنه وقذه النعاس أي غلب عليه (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) أي التي تقع من مكان عال أو في بئر فتموت (وَالنَّطِيحَةُ) أي التي ينطحها غيرها فتموت ، وتاؤها للنقل فلا يرد أن فعيل بمعنى مفعول لا يدخله التاء ، وقال بعض الكوفيين : إن ذلك حيث ذكر الموصوف مثل ـ كف خضيب وعين كحيل ـ وأما إذا حذف فيجوز دخول التاء فيه ، ولا حاجة إلى القول بأنها للنقل ، وقرئ والمنطوحة (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) أي ما أكل منه السبع فمات ؛ وفسر بذلك لأن ما أكله كله لا يتعلق به حكم ولا يصح أن يستثنى منه قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) أي إلا ما أدركتموه وفيه بقية حياة يضطرب اضطراب المذبوح وذكيتموه ؛ وعن السيدين السندين الباقر والصادق رضي الله تعالى عنهما أن أدنى ما يدرك به الذكاة أن يدركه وهو يحرك الأذن أو الذنب أو الجفن ، وبه قال الحسن وقتادة وإبراهيم وطاوس والضحاك وابن زيد ، وقال بعضهم : يشترط الحياة المستقرة وهي التي لا تكون على شرف الزوال وعلامتها على ما قيل : أن يضطرب بعد الذبح لا وقته ، وعن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الاستثناء راجع إلى جميع ما تقدم ذكره من المحرمات سوى ما لا يقبل الذكاة من الميتة والدم والخنزير وما أكل السبع على تقدير إبقائه على ظاهره ، وقيل : هو استثناء من التحريم لا من المحرمات ، والمعنى حرم عليكم سائر ما ذكر لكن ما ذكيتم مما أحله الله تعالى بالتذكية فإنه حلال لكم.
وروي ذلك عن مالك وجماعة من أهل المدينة ، واختاره الجبائي ، والتذكية في الشرع قطع الحلقوم والمريء بمحدد ، والتفصيل في الفقه ، واستدل بالآية على أن جوارح الصيد إذا أكلت مما صادته لم يحل.
وقرأ الحسن : «السبع» بسكون الباء ، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ وأكيل السبع .. (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) جمع نصاب كحمر وحمار ، وقيل : واحد الأنصاب كطنب وأطناب ، واختلف فيها فقيل هي حجارة كانت حول الكعبة وكانت ثلاثمائة وستين حجرا ، وكان أهل الجاهلية يذبحون عليها ـ فعلى ـ على أصلها ، ولعل ذبحهم عليها كان علامة لكونه لغير الله تعالى ؛ وقيل : هي الأصنام لأنها تنصب فتعبد من دون الله تعالى ، و (عَلَى) إما بمعنى اللام ، أو على أصلها بتقدير وما ذبح مسمى على الأصنام.
واعترض بأنه حينئذ يكون كالتكرار لقوله سبحانه : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) والأمر في ذلك هين ، والموصول معطوف على المحرمات ، وقرئ (النُّصُبِ) بضم النون وتسكين الصاد تخفيفا ، وقرئ بفتحتين ، وبفتح فسكون (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) جمع زلم ـ كجمل ـ أو زلم ـ كصرد ـ وهو القدح ، أي وحرم عليكم الاستقسام بالأقداح