وذلك أنهم ـ كما روي عن الحسن وغيره ـ إذا قصدوا فعلا ضربوا ثلاثة أقداح ، مكتوب على أحدها أمرني ربي ، وعلى الثاني نهاني ربي وأبقوا الثالث غفلا لم يكتب عليه شيء فإن خرج الآمر مضوا لحاجتهم ، وإن خرج الناهي تجنبوا ، وإن خرج الغفل أجالوها ثانيا ، فمعنى الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم بالأزلام ، واستشكل تحريم ما ذكر بأنه من جملة التفاؤل ، وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم يحب الفأل.
وأجيب بأنه كان استشارة مع الأصنام واستعانة منهم كما يشير إلى ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أنهم إذا أرادوا ذلك أتوا بيت أصنامهم وفعلوا ما فعلوا فلهذا صار حراما ، وقيل : لأن فيه افتراء على الله تعالى إن أريد ـ بربي ـ الله تعالى ، وجهالة وشركا إن أريد به الصنم ، وقيل : لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر الله تعالى به ، واعترض بأنا لا نسلم أن الدخول في علم الغيب حرام ، ومعنى استئثار الله تعالى بعلم الغيب أنه لا يعلم إلا منه ، ولهذا صار استعلام الخير والشر من المنجمين والكهنة ممنوعا حراما بخلاف الاستخارة من القرآن فإنه استعلام من الله تعالى ، ولهذا أطبقوا على جوازها ومن ينظر في ترتيب المقدمات أو يرتاض فهو لا يطلب إلا علم الغيب منه سبحانه فلو كان طلب علم الغيب حراما لا نسد طريق الفكر والرياضة ، ولا قائل به.
وقال الإمام رحمهالله تعالى : لو لم يجز طلب علم الغيب لزم أن يكون علم التعبير كفرا لأنه طلب للغيب ، وأن يكون أصحاب الكرامات المدعون للإلهامات كفارا ، ومعلوم أن كل ذلك باطل ، وتعقب القول ـ بجواز الاستخارة بالقرآن ـ بأنه لم ينقل فعلها عن السلف ، وقد قيل : إن الإمام مالكا كرهها. وأما ما في فتاوى الصوفية نقلا عن الزندوستي من أنه لا بأس بها وأنه قد فعلها علي كرم الله تعالى وجهه ومعاذ رضي الله تعالى عنه.
وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال : ـ من أراد أن يتفاءل بكتاب الله تعالى فليقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] سبع مرات ، وليقل ثلاث مرات : اللهم بكتابك تفاءلت ، وعليك توكلت ، اللهم أرني في كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك ، ثم يتفاءل بأول الصحيفة ـ ففي النفس منه شيء.
وفي كتاب الأحكام للجصاص أن الآية تدل على بطلان القرعة في عتق العبيد لأنها في معنى ذلك بعينه إذا كان فيها إثبات ما أخرجته القرعة من غير استحقاق كما إذا أعتق أحد عبيده عند موته على ما بين في الفقه ، ولا يرد أن القرعة قد جازت في قسمة الغنائم مثلا ، وفي إخراج النساء لأنا نقول : إنها فيما ذكر لتطييب النفوس والبراءة من التهمة في إيثار البعض ولو اصطلحوا على ذلك جاز من غير قرعة ، وأما الحرية الواقعة على واحد من البعيد فيما نحن فيه فغير جائز نقلها عنه إلى غيره ، وفي استعمال القرعة النقل ، وخالف الشافعي في ذلك ، فجوز القرعة في العتق كما جوزها في غيره ، وظواهر الأدلة معه ، وتحقيق ذلك في موضعه.
والحق عندي أن الاستقسام الذي كان يفعله أهل الجاهلية حرام بلا شبهة كما هو نص الكتاب ، وأن حرمته ناشئة من سوء الاعتقاد ، وأنه لا يخلو عن تشاؤم ، وليس بتقاول محض ، وإن مثل ذلك ليس من الدخول في علم الغيب أصلا بل هو من باب الدخول في الظن ، وأن الاستخارة بالقرآن مما لم يرد فيها شيء يعول عليه عن الصدر الأول ، وتركها أحب إليّ لا سيما وقد أغنى الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم عنها بما سن من الاستخارة الثابتة في غير ما خبر صحيح ، وأن تصديق المنجمين فيما ليس من جنس الخسوف والكسوف مما يخبرون به من الحوادث المستقبلة محظور وليس من علم الغيب ولا دخولا فيه ، وإن زعمه الزجاج لبنائه على الأسباب ، ونقل الشيخ محيي الدين النووي في شرح مسلم عن القاضي كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب : أحدها أن يكون للإنسان رئي من الجن يخبره به بما يسترقه من السمع من السماء ، وهذا القسم بطل من حين بعث الله تعالى نبيناصلىاللهعليهوسلم ؛ الثاني أن يخبره بما يطرأ ويكون في