القياس ـ كما زعم بعضهم ـ لأن المراد إكمال الدين نفسه ببيان ما يلزم بيانه ، ويستنبط منه غيره والتنصيص على قواعد العقائد ، والتوقيف على أصول الشرع وقوانين الاجتهاد ، وروي عن سعيد بن جبير وقتادة أن المعنى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ) حجكم وأقررتكم بالبلد الحرام تحجونه دون المشركين ـ واختاره الطبري ـ وقال : يرد على ما روي عن ابن عباس والسدي رضي الله تعالى عنهم أن الله تعالى أنزل بعد ذلك آية الكلالة وهي آخر آية نزلت ، واعترض بالمنع ، وتقديم الجار للإيذان من أول الأمر بأن الإكمال لمنفعتهم ومصلحتهم ، وفيه أيضا تشويق إلى ذكر المؤخر كما في قوله تعالى : (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) وليس الجار فيه متعلقا ـ بنعمتي ـ لأن المصدر لا يتقدم عليه معموله ، وقيل : متعلق به ولا بأس بتقدم معمول المصدر إذا كان ظرفا ، وإتمام النعمة على المخاطبين بفتح مكة ، ودخولها آمنين ظاهرين ، وهدم منار الجاهلية ومناسكها ، والنهي عن حج المشركين وطواف العريان ، وقيل : بإتمام الهداية والتوفيق بإتمام سببهما ، وقيل : بإكمال الدين ، وقيل : بإعطائهم من العلم والحكمة ما لم يعطه أحدا قبلهم ، وقيل : معنى (أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) أنجزت لكم وعدي بقوله سبحانه : (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) أي اخترته لكم من بين الأديان ، وهو الدين عند الله تعالى لا غير وهو المقبول وعليه المدار.
وأخرج ابن جبير عن قتادة قال : «ذكر لنا أنه يمثل لأهل كل دين دينهم يوم القيامة ، فأما الإيمان فيبشر أصحابه وأهله ويعدهم في الخير حتى يجيء الإسلام فيقول : رب أنت السلام وأنا الإسلام ، فيقول : إياك اليوم أقبل وبك اليوم أجزي» وقد نظر في الرضا معنى الاختيار ولذا عدي باللام ، ومنهم من جعل الجار ـ صفة لدين ـ قدم عليه فانتصب حالا ، و (الْإِسْلامَ) و (دِيناً) مفعولا (رَضِيتُ) إن ضمن معنى صير ، أو (دِيناً) منصوب على الحالية من الإسلام ، أو تمييز من (لَكُمْ) والجملة ـ على ما ذهب إليه الكرخي ـ مستأنفة لا معطوفة على (أَكْمَلْتُ) وإلا كان مفهوم ذلك أنه لم يرض لهم الإسلام قبل ذلك اليوم دينا ، وليس كذلك إذ الإسلام لم يزل دينا مرضيا لله تعالى وللنبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم منذ شرع والجمهور على العطف ، وأجيب عن التقييد بأن المراد برضاه سبحانه حكمه جل وعلا باختياره حكما أبديا لا ينسخ وهو كان في ذلك اليوم. وأخرج الشيعة عن أبي سعيد الخدري أن هذه الآية نزلت بعد أن قال النبيصلىاللهعليهوسلم لعلي كرم الله تعالى وجهه في غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه فلما نزلت قال عليه الصلاة والسلام : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضاء الرب برسالتي وولاية علي كرم الله تعالى وجهه بعدي ، ولا يخفى أن هذا من مفترياتهم ، وركاكة الخبر شاهدة على ذلك في مبتدأ الأمر ، نعم ثبت عندنا أنهصلىاللهعليهوسلم قال في حق الأمير كرم الله تعالى وجهه هناك : من كنت مولاه فعلي مولاه وزاد على ذلك ـ كما في بعض الروايات ـ لكن لا دلالة في الجميع على ما يدعونه من الإمامة الكبرى والزعامة العظمى كما سيأتي إن شاء الله تعالى غير بعيد.
وقد بسطنا الكلام عليه في كتابنا النفحات القدسية في رد الإمامية ولم يتم إلى الآن ونسأل الله تعالى إتمامه ، ورواياتهم في هذا الفصل ينادي لفظها على وضعها ، وقد أكثر منها يوسف إلا والى عليه ما عليه (فَمَنِ اضْطُرَّ) متصل بذكر المحرمات وما بينهما ، وهو سبع جمل ـ على ما قال الطيبي ـ اعتراض بما يوجب التجنب عنها ، وهو أن تناولها فسق عظيم ، وحرمتها من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام المرضي ، والاضطرار الوقوع في الضرورة ، أي فمن وقع في ضرورة تناول شيء من هذه المحرمات (فِي مَخْمَصَةٍ) أي مجاعة تخمص لها البطون أن تضمر يخاف معها أو مبادئه (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) أي غير مائل ومنحرف إليه ومختار له بأن يأكل منها زائدا على ما يمسك رمقه ، فإن ذلك حرام ـ كما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة رضي الله تعالى عنهم ـ وبه قال أهل العراق ، وقال أهل