الكلاب فقط (مُكَلِّبِينَ) أي معلمين لها الصيد ، والمكلب مؤدب الجوارح ؛ ومضربها بالصيد ، وهو مشتق من الكلب لهذا الحيوان المعروف لأن التأديب كثيرا ما يقع فيه ؛ أو لأن كل سبع يسمى كلبا على ما قيل ، فقد أخرج الحاكم في المستدرك ـ وقال : صحيح الإسناد ـ من حديث أبي نوفل قال : «كان لهب بن أبي لهب يسب النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال صلىاللهعليهوسلم : اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ـ أو كلبك ـ فخرج في قافلة يريد الشام فنزلوا منزلا فيه سباع فقال : إني أخاف دعوة محمد صلىاللهعليهوسلم فجعلوا متاعه حوله وقعدوا يحرسونه فجاء أسد فانتزعه وذهب به» ، ولا يخفى أن في شمول ذلك لسباع الطير نظرا ، ولا دلالة في تسمية الأسد كلبا عليه.
وجوز أن يكون مشتقا من الكلب الذي هو بمعنى الضراوة ، يقال : هو كلب بكذا إذا كان ضاريا به ، وانتصابه على الحالية من فاعل (عَلَّمْتُمْ) ، وفائدتها المبالغة في التعليم لما أن المكلب لا يقع إلا على النحرير في علمه ، وعن ابن عباس وابن مسعود والحسن رضي الله تعالى عنهم أنهم قرءوا (مُكَلِّبِينَ) بالتخفيف من أكلب ، وفعل وأفعل قد يستعملان بمعنى واحد (تُعَلِّمُونَهُنَ) حال من ضمير (مُكَلِّبِينَ) أو استئنافية إن لم تكن (ما) شرطية وإلا فهي معترضة ، وجوز أن تكون حالا ثانية من ضمير (عَلَّمْتُمْ) ومنع ذلك أبو البقاء بأن العامل الواحد لا يعمل في حالين وفيه نظر ، ولم يستحسن جعلها حالا من (الْجَوارِحِ) للفصل بينهما.
(مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) من الحيل وطرق التعليم والتأديب ، وذلك إما بالإلهام منه سبحانه ، أو بالعقل الذي خلقه فيهم جل وعلا ، وقيل : المراد مما عرفكم سبحانه أن تعلموه من اتباع الصيد بأن يسترسل بإرسال صاحبه وينزجر بزجره وينصرف بدعائه ويمسك عليه الصيد ولا يأكل منه.
ورجح بدلالته على أن المعلم ينبغي أن يكون مكلبا فقيها أيضا ، و ـ من ـ أجلية ، وقيل : تبعيضية أي بعض ما علمكم الله (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) جملة متفرعة على بيان حل صيد الجوارح المعلمة مبينة للمضاف المقدر ومشيرة إلى نتيجة التعليم وأثره ، أو جواب للشرط ، أو خبر للمبتدإ ، و ـ من ـ تبعيضية إذ من الممسك ما لا يؤكل كالجلد والعظم وغير ذلك ، وقيل : «زائدة على رأي الأخفش ؛ وخروج ما ذكر بديهي ؛ و (ما) موصولة أو موصوفة ، والعائد محذوف أي أمسكنه ، وضمير المؤنث للجوارح ، و (عَلَيْكُمْ) متعلق بأمسكن ، والاستعلاء مجازي ؛ والتقييد بذلك لإخراج ما أمسكنه على أنفسهن ، وعلامته أن يأكلن منه فلا يؤكل منه ؛ وقد أشار إلى ذلك صلىاللهعليهوسلم ، روى أصحاب السنن عن عدي بن حاتم قال : «سألت النبيصلىاللهعليهوسلم عن صيد الكلب المعلم فقال عليه الصلاة والسلام : إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى فكل مما أمسك عليك ، فإن أكل منه فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه» وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء ، وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه والشعبي وعكرمة ، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وأصحابه : إذا أكل الكلب من الصيد فهو غير معلم لا يؤكل صيده ، ويؤكل صيد البازي ونحوه وإن أكل ، لأن تأديب سباع الطير إلى حيث لا تؤكل متعذر ، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، فقد أخرج عبد بن حميد عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال : إذا أكل الكلب فلا تأكل وإذا أكل الصقر فكل ، لأن الكلب تستطيع أن تضربه ، والصقر لا تستطيع أن تضربه ، وعليه إمام الحرمين من الشافعية ، وقال مالك والليث : يؤكل وإن أكل الكلب منه ، وقد روي عن سلمان وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم أنه إذا أكل الكلب ثلثيه وبقي ثلثه وقد ذكرت اسم الله تعالى عليه فكل (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) الضمير ـ لما علمتم ـ كما يدل عليه الخبر السابق ، والمعنى سموا عليه عند إرساله ؛ وروي ذلك عن ابن عباس والحسن والسدي ، وقيل : ـ لما أمسكن ـ أي سموا عليه إذا أدركتم ذكاته ، وقيل : للمصدر المفهوم من ـ كلوا ـ أي سموا الله تعالى على الأكل ـ وهو بعيد ـ وإن استظهره أبو حيان ، والأمر