(وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) عطف على ما قبله فالباء متعلقة بما تعلقت به الباء الأولى ، وما مصدرية أو موصولة وعائدها محذوف ، و (مِنْ) تبعيضية أو ابتدائية متعلقة ـ بأنفقوا ـ أو بمحذوف وقع حالا من العائد المحذوف وأريد بالمنفق ـ كما قال مجاهد ـ المهر ، ويجوز أن يراد بما أنفقوه ما يعمه ، والنفقة عليهن ، والآية – كما روي عن مقاتل ـ نزلت في سعد بن الربيع بن عمرو وكان من النقباء ، وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير وذلك أنها نشزت عليه فلطمها فانطلق أبوها معها إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : أفرشته كريمتي فلطمها فقال النبيصلىاللهعليهوسلم: لتقتص من زوجها ، فانصرفت مع أبيها لتقتص منه فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : ارجعوا هذا جبرائيل عليهالسلام أتاني وأنزل الله هذه الآية فتلاها صلىاللهعليهوسلم ثم قال : أردنا أمرا وأراد الله تعالى أمرا والذي أراده الله تعالى خير».
وقال الكلبي : نزلت في سعد بن الربيع وامرأته خولة بنت محمد بن سلمة وذكر القصة ، وقال بعضهم : نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبيّ وزوجها ثابت بن قيس بن شماس ، وذكر قريبا منه ، واستدل بالآية على أن للزوج تأديب زوجته ومنعها من الخروج وأن عليها طاعته إلا في معصية الله تعالى ، وفي الخبر «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لبعلها» واستدل بها أيضا من أجاز فسخ النكاح عند الإعسار عن النفقة والكسوة ، وهو مذهب مالك والشافعي لأنه إذا خرج عن كونه قواما عليها ، فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح ، وعندنا لا فسخ لقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [البقرة : ٢٨] واستدل بها أيضا من جعل للزوج الحجر على زوجته في نفسها ومالها فلا تتصرف فيه إلا بإذنه لأنه سبحانه جعل الرجل قواما بصيغة المبالغة وهو الناظر على الشيء الحافظ له (فَالصَّالِحاتُ) أي منهن (قانِتاتٌ) شروع في تفصيل أحوالهن وكيفية القيام عليهن بحسب اختلاف أحوالهن ، والمراد (فَالصَّالِحاتُ) منهن مطيعات لله تعالى ولأزواجهن (حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) أي يحفظن أنفسهن وفروجهن في حال غيبة أزواجهن ، قال الثوري ، وقتادة : أو يحفظن في غيبة الأزواج ما يجب حفظه في النفس والمال ، فاللام بمعنى في ، والغيب بمعنى الغيبة ، وأل عوض عن المضاف إليه على رأي ، ويجوز أن يكون المراد حافظات لواجب الغيب أي لما يجب عليهن حفظه حال الغيبة ، فاللام على ظاهرها ، وقيل : المراد حافظات لأسرار أزواجهن أي ما يقع بينهم وبينهن في الخلوة ، ومنه المنافسة والمنافرة واللطمة المذكورة في الخبر ، وحينئذ لا حاجة إلى ما قيل في اللام ، ولا إلى تفسير الغيب بالغيبة إلا أن ما أخرجه ابن جرير والبيهقي وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها ، ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم (الرِّجالُ قَوَّامُونَ) إلى الغيب» يبعد هذا القول ؛ ومن الناس من زعم أنه أنسب بسبب النزول (بِما حَفِظَ اللهُ) أي بما حفظهن الله تعالى في مهورهن ، وإلزام أزواجهن النفقة عليهن قاله الزجاج ، وقيل : بحفظ الله تعالى لهن وعصمته إياهن ولو لا أن الله تعالى حفظهن وعصمهن لما حفظن ـ فما ـ إما موصولة أو مصدرية وقرأ أبو جعفر (بِما حَفِظَ اللهُ) بالنصب ، ولا بد من تقدير مضاف على هذه القراءة ـ كدين الله ، وحقه ـ لأن ذاته تعالى لا يحفظها أحد ، وما موصولة أو موصوفة ، ومنع غير واحد المصدرية لخلو حفظ حينئذ عن الفاعل لأنه كان يجب أن يقال بما حفظن الله ، وأجيب عنه بأنه يجوز أن يكون فاعله ضميرا مفردا عائدا على جمع الإناث لأنه في معنى الجنس كأنه قيل : فمن (١) حفظ الله ، وجعله ابن جني كقوله :
فإن الحوادث أودى بها
__________________
(١) قوله : «فمن» إلخ كذا بخطه ولعله سبق قلم ، والأصل «بمن» تأمل.