المنع ، ونقل عن الأوزاعي والثوري جواز المسح على العمامة ، ولم أر حكاية الاشتراط ولا عدمه عنهما ، وقد ذكرنا دليل الجواز في كتاب الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) وهما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم ، ومنه الكاعب ـ وهي الجارية التي تبدو ثديها للنهود ـ وروى هشام عن محمد أن الكعب هو المفصل الذي في وسط القدم عند معترك الشراك لأن الكعب اسم للمفصل ، ومنه كعوب الرمح والذي في وسط القدم مفصل دون ما على الساق ، وهذا صحيح في المحرم إذا لم يجد نعلين فإنه يقطع خفيه أسفل من الكعبين ، ولعل ذلك مراد محمد ، فأما في الطهارة فلا شك أنه ما ذكرنا ، وفي الأرجل ثلاث قراءات : واحدة شاذة واثنتان متواترتان ؛ أما الشاذة فالرفع ـ وهي قراءة الحسن ـ وأما المتواترتان فالنصب ، وهي قراءة نافع وابن عامر وحفص والكسائي ويعقوب ، والجر وهي قراءة ابن كثير وحمزة وأبي عمرو وعاصم وفي رواية أبي بكر عنه ، ومن هنا اختلف الناس في غسل الرجلين ومسحهما. قال الإمام الرازي : فنقل القفال في تفسيره عن ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي الباقر رضي الله تعالى عنهم أن الواجب فيها المسح ، وهو مذهب الإمامية ، وقال جمهور الفقهاء والمفسرين : فرضهما الغسل ، وقال داود : يجب الجمع بينهما ، وهو قول الناصر للحق من الزيدية ، وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري : المكلف مخير بين المسح والغسل وحجة القائلين بالمسح قراءة الجر فإنها تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرءوس فكما وجب المسح فيها وجب فيها والقول إنه جرّ بالجوار كما في قولهم : هذا جحر ضب خرب ، وقوله :
كان ثبيرا في عرانين وبله |
|
كبير أناس في بجاد مزمل |
باطل من وجوه : أولها أن الكسر على الجوار معدود في اللحن الذي قد يتحمل لأجل الضرورة في الشعر ، وكلام الله تعالى يجب تنزيهه عنه ، وثانيها أن الكسر إنما يصار إليه حيث حصل الأمن من الالتباس كما فيما استشهدوا به ، وفي الآية الأمن من الالتباس غير حاصل ، وثالثها أن الجر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف ، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب ، وردوا قراءة النصب إلى قراءة الجر فقالوا : إنها تقتضي المسح أيضا لأن العطف حينئذ على محل الرءوس لقربه فيتشاركان في الحكم ؛ وهذا مذهب مشهور للنحاة ، ثم قالوا أولا : يجوز رفع ذلك بالإخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز ، ثم قال الإمام : واعلم أنه لا يمكن الجواب عن هذا إلا من وجهين : الأول أن الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل ، والغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس ، فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط ، فوجب المصير إليه ، وعلى هذا الوجه يجب القطع بأن غسل الأرجل يقوم مقام مسحها ، والثاني أن فرض الأرجل محدود إلى الكعبين ، والتحديد إنما جاء في الغسل لا في المسح ، والقوم أجابوا عنه من وجهين : الأول أن الكعب عبارة عن العظم الذي تحت مفصل القدم ، وعلى هذا التقدير يجب المسح على ظهر القدمين ، والثاني أنهم سلموا أن الكعبين عبارة عن العظمين الناتئين من جانبي الساق ، إلا أنهم التزموا أنه يجب أن يسمح ظهور القدمين إلى هذين الموضعين وحينئذ لا يبقى هذا السؤال انتهى.
ولا يخفى أن بحث الغسل والمسح مما كثر فيه الخصام ، وطالما زلت فيه أقدام ، وما ذكره الإمام رحمهالله تعالى يدل على أنه راجل في هذا الميدان ، وضالع لا يطيق العروج إلى شاوي ضليع تحقيق تبتهج به الخواطر والأذهان ، فلنبسط الكلام في تحقيق ذلك رغما لأنوف الشيعة السالكين من السبل كل سبيل حالك ، فنقول وبالله تعالى التوفيق ، وبيده أزمة التحقيق : إن القراءتين متواترتان بإجماع الفريقين بل بإطباق أهل الإسلام كلهم ، ومن القواعد الأصولية عند الطائفتين أن القراءتين المتواترتين إذا تعارضتا في آية واحدة فلهما حكم آيتين ، فلا بد لنا أن نسعى