المشبع ، وعن الثالث بأن حمل المسح على الغسل لداع لا يستلزم حمل الغسل على المسح بغير داع ، فكيف يسقط الاستدلال؟! سبحان الله تعالى هذا هو العجب العجاب.
وعن الرابع بأنا لا نسلم أن العدول عن تغسلت لإيهامه الغسل فإن تمسحت يوهم ذلك أيضا بناء على ما قاله من أن المغسول من الأعضاء ممسوح أيضا سلمنا ذلك لكنا لم نقتصر في الاستشهاد على ذلك ، ويكفي ـ مسح الأرض المطر ـ في الفرض.
والوجه الثاني أن يبقى المسح على الظاهر ، وتجعل الأرجل على تلك القراءة معطوفة على المغسولات كما في قراءة النصب ، والجر للمجاورة ، واعترض أيضا من وجوه : الأول والثاني والثالث ما ذكره الإمام من عد الجر بالجوار لحنا وأنه إنما يصار إليه عند أمن الالتباس ولا أمن فيما نحن فيه ، وكونه إنما يكون بدون حرف العطف ، والرابع أن في العطف على المغسولات سواء كان المعطوف منصوب اللفظ أو مجروره الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة أجنبية ليست اعتراضية وهو غير جائز عند النحاة ، على أن الكلام حينئذ من قبيل ضربت زيدا ، وأكرمت خالدا وبكرا بجعل بكر عطفا على زيد ، أو إرادة أنه مضروب لا مكرم ، وهو مستهجن جدا تنفر عنه الطباع ، ولا تقبله الأسماع ، فكيف يجنح إليه أو يحمل كلام الله تعالى عليه؟! وأجيب عن الأول بأن إمام النحاة الأخفش وأبا البقاء وسائر مهرة العربية وأئمتها جوزوا جر الجوار ، وقالوا بوقوعه في الفصيح كما ستسمعه إن شاء الله تعالى ، ولم ينكره إلا الزجاج ـ وإنكاره مع ثبوته في كلامهم ـ يدل على قصور تتبعه ، ومن هنا قالوا : المثبت مقدم على النافي ، وعن الثاني بأنا لا نسلم أنه إنما يصار إليه عند أمن الالتباس ولا نقل في ذلك عن النحاة في الكتب المعتمدة ، نعم قال بعضهم : شرط حسنه عدم الالتباس مع تضمن نكتة وهو هنا كذلك لأن الغاية دلت على أن هذا المجرور ليس بممسوح إذ المسح لم يوجد مغيا في كلامهم ، ولذا لم يغي في آية التيمم ، وإنما يغيا الغسل ، ولذا غيي في الآية حين احتيج إليه فلا يرد أنه لم يغي غسل الوجه لظهور الأمر فيه ، ولا قول المرتضى : إنه لا مانع من تغييه ، والنكتة فيه الإشارة إلى تخفيف الغسل حتى كأنه مسح ، وعن الثالث بأنهم صرحوا بوقوعه في النعت كما سبق من الأمثلة ، وقوله تعالى : (عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) [هود : ٨٤] بجر (مُحِيطٍ) مع أنه نعت للعذاب ، وفي التوكيد كقوله :
ألا بلغ ذوي الزوجات كلهم |
|
أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب |
بجر ـ كلهم ـ على ما حكاه الفراء ، وفي العطف كقوله تعالى : (وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) [الواقعة : ٢٢ ، ٢٣] على قراءة حمزة والكسائي ، وفي رواية المفضل عن عاصم فإنه مجرور بجوار (بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ) ومعطوف على (وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) [الواقعة : ١٧] ، وقول النابغة :
لم يبق إلا أسير غير منفلت |
|
وموثق في حبال القد مجنوب |
بجر ـ موثق ـ مع أن العطف على أسير ، وقد عقد النحاة لذلك بابا على حدة لكثرته ولما فيه من المشاكلة ؛ وقد كثر في الفصيح حتى تعدوا عن اعتباره في الإعراب إلى التثنية والتأنيث وغير ذلك ، وكلام ابن الحاجب في هذا المقام لا يعبأ به ، وعن الرابع بأن لزوم الفصل بالجملة إنما يخل إذا لم تكن جملة (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) متعلقة بجملة المغسولات فإن كان معناها وامسحوا الأيدي بعد الغسل برءوسكم فلا إخلال ـ كما هو مذهب كثير من أهل السنة ـ من جواز المسح ببقية ماء الغسل ، واليد المبلولة من المغسولات ، ومع ذلك لم يذهب أحد من أئمة العربية إلى امتناع الفصل بين الجملتين المتعاطفتين ، أو معطوف ومعطوف عليه ، بل صرح الأئمة بالجواز ، بل نقل أبو البقاء إجماع النحويين على ذلك ، نعم توسط الأجنبي في كلام البلغاء يكون لنكتة وهي هنا ما أشرنا إليه ، أو الإيماء إلى