الترتيب ، وكون الآية من قبيل ما ذكر من المثال في حيز المنع ، وربما تكون كذلك لو كان النظم ـ وامسحوا رءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ـ والواقع ليس كذلك ، وقد ذكر بعض أهل السنة أيضا وجها آخر في التطبيق ، وهو أن قراءة الجر محمولة على حالة التخفيف ، وقراءة النصب على حال دونه ، واعترض بأن الماسح على الخف ليس ماسحا على الرجل حقيقة ولا حكما ، لأن الخف اعتبر مانعا سراية الحدث إلى القدم فهي طاهرة ، وما حل بالخف أزيل بالمسح فهو على الخف حقيقة وحكما ، وأيضا المسح على الخف لا يجب إلى الكعبين اتفاقا ، وأجيب بأنه يجوز أن يكون لبيان المحل الذي يجزئ عليه المسح لأنه لا يجزئ على ساقه ، نعم هذا الوجه لا يخلو عن بعد ، والقلب لا يميل إليه ، وإن ادعى الجلال السيوطي أنه أحسن ما قيل في الآية ، وللإمامية في تطبيق القراءتين وجهان أيضا ـ لكن الفرق بينهما وبين ما سبق من الوجهين اللذين عند أهل السنة ـ أن قراءة النصب التي هي ظاهرة في الغسل عند أهل السنة ، وقراءة الجر تعاد إليها وعند الإمامية بالعكس ، الوجه الأول : أن تعطف الأرجل في قراءة النصب على محل (بِرُؤُسِكُمْ) فيكون حكم الرءوس والأرجل كليهما مسحا. الوجه الثاني : أن الواو فيه بمعنى مع من قبيل استوى الماء والخشبة ، وفي كلا الوجهين بحث لأهل السنة من وجوه : الأول أن العطف على المحل خلاف الظاهر بإجماع الفريقين ، والظاهر العطف على المغسولات والعدول عن الظاهر إلى خلافه بلا دليل لا يجوز وإن استدلوا بقراءة الجر ، قلنا : إنها لا تصلح دليلا لما علمت ، والثاني أنه لو عطف (وَأَرْجُلَكُمْ) على محل (بِرُؤُسِكُمْ) جاز أن نفهم منه معنى الغسل ، إذ من القواعد المقررة في العلوم العربية أنه إذا اجتمع فعلان متغايران في المعنى ـ ويكون لكل منهما متعلق ـ جاز حذف أحدهما وعطف متعلق المحذوف على متعلق المذكور كأنه متعلقه ، ومن ذلك قوله :
يا ليت بعلك قد غدا |
|
متقلدا سيفا ورمحا |
فإن المراد وحاملا رمحا ، ومنه قوله :
إذا ما الغانيات برزن يوما |
|
وزجّجن الحواجب والعيونا |
فإنه أراد وكحلن العيونا ، وقوله :
تراه كان مولاه يجدع أنفه |
|
وعينيه إن مولاه كان له وفر |
أي يفقئ عينيه إلى ما لا يحصى كثرة ، والثالث أن جعل الواو بمعنى مع بدون قرينة مما لا يكاد يجوز ، ولا قرينة هاهنا على أنه يلزم كما قيل : فعل المسحين معا بالزمان ، ولا قائل به بالاتفاق ، بقي لو قال قائل : لا أقنع بهذا المقدار في الاستدلال على غسل الأرجل بهذه الآية ما لم ينضم إليها من خارج ما يقوي تطبيق أهل السنة فإن كلامهم وكلام الإمامية في ذلك عسى أن يكون فرسا رهان ، قيل له : إن سنة خير الورى صلىاللهعليهوسلم وآثار الأئمة رضي الله تعالى عنهم شاهدة على ما يدعيه أهل السنة وهي من طريقهم أكثر من أن تحصى ، وأما من طريق القوم ، فقد روى العياشي عن علي عن أبي حمزة قال : «سألت أبا هريرة عن القدمين فقال : تغسلان غسلا».
وروى محمد بن النعمان عن أبي بصير عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه قال : «إذا نسيت مسح رأسك حتى غسلت رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك» وهذا الحديث رواه أيضا الكلبي وأبو جعفر الطوسي بأسانيد صحيحة بحيث لا يمكن تضعيفها ولا الحمل على التقية لأن المخاطب بذلك شيعي خاص ، وروى محمد بن الحسن الصفار عن زيد بن علي عن أبيه عن جده أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه أنه قال : «جلست أتوضأ فأقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما غسلت قدمي قال : يا علي خلل بين الأصابع».