نسبته إلى يعرب أيضا لما فيه من الركاكة الظاهرة.
(فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) دنيا وآخرة ، أخرج الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل» ، وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : «إنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم» وورد أنه أحد الأشقياء الثلاثة ، وهذا ونحوه صريح في أن الرجل مات كافرا.
وأصرح من ذلك ما روي أنه لما قتل أخاه هرب إلى عدن من أرض اليمن فأتاه إبليس عليهما اللعنة ، فقال : إنما أكلت النار قربان هابيل لأنه كان يخدمها ويعبدها فإن عبدتها أيضا حصل مقصودك فبنى بيت نار فعبدها فهو أول من عبد النار ، والظاهر أن عليه أيضا وزر من يعبد النار بل لا يبعد أن يكون عليه وزر من يعبد غير الله تعالى إلى يوم القيامة ، واستدل بعضهم بقول سبحانه : (فَأَصْبَحَ) على أن القتل وقع ليلا ـ وليس بشيء ـ فإن من عادة العرب أن يقولوا : أصبح فلان خاسر الصفقة إذا فعل أمرا ثمرته الخسران ، ويعنون بذلك الحصول مع قطع النظر عن وقت دون وقت ، وإنما لم يقل سبحانه ـ فأصبح خاسرا ـ للمبالغة وإن لم يكن حينئذ خاسر سواه (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطية قال : لما قتله ندم فضمه إليه حتى أروح وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمي به فتأكله ، وكره أن يأتي به آدم عليه الصلاة والسلام فيحزنه ؛ وتحير في أمره إذ كان أول ميت من بني آدم عليهالسلام ، فبعث الله تعالى غرابين قتل أحدهما الآخر وهو ينظر إليه ثم حفر له بمنقاره وبرجله حتى مكن له ثم دفعه برأسه حتى ألقاه في الحفرة ثم بحث عليه برجله حتى واراه ، وقيل : إن أحد الغرابين كان ميتا.
والغراب : طائر معروف ، قيل : والحكمة في كونه المبعوث دون غيره من الحيوان كونه يتشاءم به في الفراق والاغتراب وذلك مناسب لهذه القصة ، وقال بعضهم : إنه كان ملكا ظهر في صورة الغراب والمستكن في ـ يريه ـ لله تعالى ، أو للغراب ، واللام على الأول متعلقة ـ ببعث ـ حتما ، وعلى الثاني ـ بيبحث ـ ويجوز تعلقها ببعث أيضا ، و (كَيْفَ) حال من الضمير في (يُوارِي) قدم عليه لأن له الصدر ، وجملة (كَيْفَ يُوارِي) في محل نصب مفعول ثان ـ ليرى ـ البصرية المتعدية بالهمزة لاثنين وهي معلقة عن الثاني ، وقيل : إن ـ يريه ـ بمعنى يعلمه إذ لو جعل بمعنى الإبصار لم يكن لجملة (كَيْفَ يُوارِي) موقع حسن ، وتكون الجملة في موقع مفعولين له ، وفيه نظر ، و ـ البحث ـ في الأصل التفتيش عن الشيء مطلقا ، أو في التراب ، والمراد به هنا الحفر ، والمراد ـ بالسوأة ـ جسد الميت وقيده الجبائي بالمتغير ، وقيل : العورة لأنها تسوء ناظرها ، وخصت بالذكر مع أن المراد مواراة جميع الجسد للاهتمام بها لأن سترها آكد ، والأول أولى ، ووجه التسمية مشترك ، وضمير (أَخِيهِ) عائد على المبحوث عنه لا على الباحث كما توهم ، وبعثة الغراب كانت من باب الإلهام إن كان المراد منه المتبادر ، وبعثه حقيقة إن كان المراد منه ملكا ظهر على صورته ، وعلى التقديرين ذهب أكثر العلماء إلى أن الباحث وارى جثته ، وتعلم قابيل ، ففعل مثل ذلك بأخيه ، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وابن مسعود وغيرهما ، وذهب الأصم إلى أن الله تعالى بعث من بعثه فبحث في الأرض ووارى هابيل ، فلما رأى قابيل ما أكرم الله تعالى به أخاه (قالَ يا وَيْلَتى) كلمة جزع وتحسر ، والويلة ـ كالويل ـ الهلكة كأن المتحسر ينادي هلاكه وموته ويطلب حضوره بعد تنزيله منزلة من ينادي ، ولا يكون طلب الموت إلا ممن كان في حال أشدّ منه ، والألف بدل من ياء المتكلم أي ـ يا ويلتي ـ وبذلك قرأ الحسن احضري فهذا أوانك (أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ) تعجب من عجزه عن كونه مثله لأنه لم يهتد إلى ما اهتدى إليه مع