قصاصا ، وإن جاز أو وجب من حيث كونه حدا فتأمله انتهى.
وتعقبه ابن قاسم فقال : ادعاؤه الفساد ظاهر الفساد فإنه لم يدع ما ذكر وإنما ادعى أن لها دخلا في صفة القتل قصاصا وهي وجوبه ، وقوله : إذ لا يتصور إلخ قلنا : لم يدع أن له حالتي وجوب وجواز بهذا القيد بل ادعى أن له حالتين في نفسه ـ وهو صحيح ـ على أنه يمكن أن يكون له حالتان بذلك القيد لكن باعتبارين ، اعتبار الولي واعتبار الإمام إذا طلب منه ، وقوله : لأنا إذا نظرنا إلخ كلام ساقط ، ولا شك أن النظر إليهما يقتضي ثبوت الحالتين قصاصا ، وقوله : فتأمله تأملنا فوجدنا كلامه ناشئا من قلة التأمل انتهى.
وجعل مولانا شيخ الكل في الكل صبغة الله تعالى الحيدري منشأ تشنيع العلامة ما يتبادر من العبارة من كونها بيانا لتفويض القصاص إلى الأولياء أما لو جعلت بيانا لسقوط الحد في قتل قاطع الطريق بالتوبة قبل القدرة دون القتل قصاصا فلا يرد التشنيع فتدبر ، وتقييد التوبة بالتقدم على القدرة يدل على أنها بعد القدرة لا تسقط الحد وإن أسقطت العذاب ، وذهب أناس إلى أن الآية في المرتدين لا غير لأن محاربة الله تعالى ورسوله إنما تستعمل في الكفار ، وقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أنس أن نفرا من عكل قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأسلموا واجتووا المدينة ، فأمرهم النبي صلىاللهعليهوسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها فقتلوا راعيها واستاقوها فبعث النبي صلىاللهعليهوسلم في طلبهم قافة فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ولم يحسمهم وتركهم حتى ماتوا ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية ، وأنت تعلم أن القول بالتخصيص قول ساقط مخالف لإجماع من يعتد به من السلف والخلف ، ويدل على أن المراد قطاع الطريق من أهل الملة قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) إلخ ، ومعلوم أن المرتدين لا يختلف حكمهم في زوال العقوبة عنهم بالتوبة بعد القدرة كما تسقطها عنهم قبل القدرة ، وقد فرق الله تعالى بين توبتهم قبل القدرة وبعدها ، وأيضا إن الإسلام لا يسقط الحد عمن وجب عليه.
وأيضا ليست عقوبة المرتدين كذلك ، ودعوى أن المحاربة إنما تستعمل في الكفار يردها أنه ورد في الأحاديث إطلاقها على أهل المعاصي أيضا ، وسبب النزول لا يصلح مخصصا فإن العبرة ـ كما تقرر ـ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وغيرهما عن الشعبي قال : كان حارثة بن بدر التيمي من أهل البصرة قد أفسد في الأرض وحارب ، فكلم رجالا من قريش أن يستأمنوا له عليا فأبوا فأتى سعيد بن قيس الهمداني فأتى عليا فقال : يا أمير المؤمنين ما جزاء الذين يحاربون الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم ويسعون في الأرض الفساد؟ قال : أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ثم قال : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) فقال سعيد : وإن كان حارثة بن بدر؟ قال : وإن كان حارثة بن بدر ، فقال : هذا حارثة بن بدر قد جاء تائبا فهو آمن؟ قال : نعم ، فجاء به إليه فبايعه ، وقبل ذلك منه وكتب له أمانا ، وروي عن أبي موسى الأشعري ما هو بمعناه ، ثم إن السمل الذي فعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يفعله في غير أولئك ، وأخرج مسلم والبيهقي عن أنس أنه قال : إنما سمل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء ، وأخرج ابن جرير عن الوليد بن مسلم قال : ذاكرت الليث بن سعد ما كان من سمل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعينهم وتركه حسمهم حتى ماتوا ، فقال : سمعت محمد بن عجلان يقول : أنزلت هذه الآية على رسول الله صلىاللهعليهوسلم معاتبة في ذلك وعلمه صلىاللهعليهوسلم عقوبة مثلهم من القتل والصلب والقطع والنفي ، ولم يسمل بعدهم غيرهم ، قال: وكان هذا القول ذكره لأبي عمر فأنكر أن تكون نزلت معاتبة وقال : بل كانت تلك عقوبة أولئك النفر بأعيانهم ، ثم نزلت هذه الآية عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم فرفع عنهم السمل.
هذا «ومن باب الإشارة في الآيات» : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ