المعطوف ـ أعني مثله ـ مثله ، وهو محذوف كما حذف الخبر من قيار في قوله :
ومن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإني وقيار بها لغريب |
وقد جوز أن يكون نصب ، ومثله على أنه مفعول (مَعَهُ) ناصبه الفعل المقدر بعد (لَوْ) تفريعا على رأي الزجاج ومن رأى رأيه ، وأمر توحيد الضمير حينئذ ظاهر إذ حكم الضمير بعد المفعول معه الإفراد ، وأجاز الأخفش أن يعطى حكم المتعاطفين فيثنى الضمير ، وقال بعض النحاة : الصحيح جوازه على قلة. واعترض هذا الوجه أبو حيان بأنه يصير التقدير مع مثله (مَعَهُ) ، وإذا كان ما في الأرض مع مثله كان مثله معه ضرورة ، فلا فائدة في ذكر (مَعَهُ) معه لملازمة معية كل منهما للآخر ، وأجاب الطيبي بأن (مَعَهُ) على هذا تأكيد ، وقال السفاقسي : جوابه أن التقدير ليس كالتصريح ، و ـ الواو ـ متضمنة معنى مع ، وإنما يقبح لو صرح ـ بمع ـ وكثيرا ما يكون التقدير بخلاف التصريح ، كقولهم : رب شاة وسخلتها ، ولو صرحت ـ برب ـ فقلت : ورب سخلتها لم يجز ، وأجاب الحلبي بأن الضمير في (مَعَهُ) عائد على (مِثْلَهُ) ويصير المعنى مع مثلين وهو أبلغ من أن يكون مع مثل واحد ، نعم أن كون العامل ثبت ليس بصحيح لأن العامل في المفعول معه هو العامل في المصاحب له كما صرحوا به ، وهو هنا (ما) أو ضميرها ، وشيء منهما ليس عاملا فيه ثبت المقدر ، وأما صحته على تقدير جعله لهم ، أو متعلقه على ما قيل ، فممتنع أيضا على ما نقل عن سيبويه أنه قال : وأما هذا لك وأباك فقبيح ، لأنه لم يذكر فعل ولا حرف فيه معنى فعل حتى يصير كأنه قد تكلم بالفعل ، فإن فيه تصريحا بأن اسم الإشارة وحرف الجر والظرف لا تعمل في المفعول معه ، وقوله تعالى : (مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ) متعلق بالافتداء أيضا أي لو أن ما في الأرض ومثله ثابت لهم ليجعلوه فدية لأنفسهم من العذاب الواقع ذلك اليوم.
(ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ) ذلك ، وهو جواب (لَوْ) وترتيبه ـ كما قال شيخ الإسلام ـ على ذلك لهم لأجل افتدائهم به من غير ذكر الافتداء بأن يقال : وافتدوا به ، مع أن الرد والقبول إنما يترتب عليه لا على مبادئه للإيذان بأنه أمر محقق الوقوع غني عن الذكر ، وإنما المحتاج إلى الفرض قدرتهم على ما ذكر ، أو للمبالغة في تحقق الرد ، وتخييل أنه وقع قبل الافتداء على منهاج ما في قوله تعالى : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) [النمل : ٤٠] حيث لم يقل فأتى به فلما رآه إلخ ، وما في قوله سبحانه : (وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) [يوسف : ٣١] من غير ذكر خروجه عليهالسلام عليهن ورؤيتهن له ، وقال بعض الأفاضل : إنما لم يكتف بقوله : إن الذين كفروا لو يفتدون بما في الأرض جميعا من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ، لأن ما في النظم الكريم يفيد أنهم لو حصلوا ما في الأرض ومثله معه لهذه الفائدة وكانوا خائفين من الله تعالى وحفظوا الفدية وتفكروا في الافتداء ورعاية أسبابه ـ كما هو شأن من هو بصدد أمر ـ ما تقبل منهم فضلا عن أن يكونوا غافلين عن تحصيل الفدية وقصدوا الفدية فجأة ، ولهذا لم يقل لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ويفتدون به ما تقبل إلخ ، والجملة الامتناعية بحالها خبر (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهي كناية عن لزوم العذاب لهم وأنه لا سبيل لهم إلى الخلاص منه ، فإن لزوم العذاب من لوازمه أن ما في الأرض جميعا ومثله معه لو افتدوا به لم يتقبل منهم ، فلما كانت هذه الجملة ، بل هذه الملازمة لازمة للزوم العذاب عبر عنها بها ، وأطلق بعضهم على هذه الجملة تمثيلا ، ولعل مراده ـ على ما ذكره القطب ـ ما ذكره ، وقال بعض المحققين : لا يريد به الاستعارة التمثيلية بل إيراد مثال وحكم يفهم منه لزوم العذاب لهم ، أي لم يقصد بهذا الكلام إثبات هذه الشرطية بل انتقال الذهن منه إلى هذا المعنى ، وبهذا الاعتبار يقال له : كناية ، ويمكن تنزيله على التمثيل الاصطلاحي بأن يقال : إن حالهم في حال التفصي عن العذاب بمنزلة حال من يكون له ذلك الأمر الجسيم ويحاول به التخلص من