العذاب فلا يتقبل منه ولا يتخلص (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) قيل : محله النصب على الحالية ، وقيل : الرفع عطفا على خبر إن ، وقيل : إنه معطوف على (إِنَّ الَّذِينَ) فلا محل له من الإعراب مثله ، وفائدة الجملة التصريح بالمقصود من الجملة الأولى لزيادة تقريره وبيان هوله وشدته ، وقيل : إن المقصود بها الإيذان بأنه كما لا يندفع بذلك عذابهم لا يخفف بل لهم بعد عذاب في كمال الإيلام ، وكذلك قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ) فإنه لإفادة أنه كما لا يندفع بذلك الافتداء عذابهم لا يندفع دوامه ولا ينفصل ، وهو على ما تقدم استئناف مسوق لبيان حالهم في أثناء مكابدة العذاب مبني على سؤال نشأ مما قبله ، كأنه قيل : فكيف يكون حالهم ، أو ما ذا يصنعون؟ فقيل : (يُرِيدُونَ) إلخ ، وقد بين في تضاعيفه أن عذابهم عذاب النار ، والإرادة قيل : على معناها الحقيقي المشهور ، وذلك أنهم يرفعهم لهب النار فيريدون الخروج وأنى به ، وروي ذلك عن الحسن ، وقال الجبائي : الإرادة بمعنى التمني أي يتمنون ذلك.
وقيل : المعنى يكادون يخرجون منها لقوتها وزيادة رفعها إياهم ، وهذا كقوله تعالى : (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) [الكهف : ٧٧] أي يكاد ويقارب ، لا يقال : كيف يجوز أن يريدوا الخروج من النار مع علمهم بالخلود؟ لأنا نقول : الهول يومئذ ينسيهم ذلك ، وعلى تقدير عدم النسيان يقال : العلم بعدم حصول الشيء لا يصرف عن إرادته كما أن العلم بالحصول كذلك ، فإن الداعي إلى الإرادة حسن الشيء والحاجة إليه.
(وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) إما حال من فاعل (يُرِيدُونَ) أو اعتراض ، وأيا ما كان فإيثار الجملة الاسمية على الفعلية مصدرة ـ بما ـ الحجازية الدالة بما في حيزها من الباء على تأكيد النفي لبيان كمال سوء حالهم باستمرار عدم خروجهم منها ، فإن الجملة الاسمية الإيجابية ـ كما مرت الإشارة إليه ـ كما تفيد بمعونة المقام دوام الثبوت ، تفيد السلبية أيضا بمعونة دوام النفي لا نفي الدوام ، وقرأ أبو واقد (أَنْ يَخْرُجُوا) بالبناء لما لم يسم فاعله من الإخراج ، ويشهد لقراءة الجمهور قوله تعالى : (بِخارِجِينَ) دون بمخرجين ، وهذه الآية كما ترى في حق الكفار ، فلا تنافي القول بالشفاعة لعصاة المؤمنين في الخروج منها كما لا يخفى على من له أدنى إيمان.
وقد أخرج مسلم وابن المنذر وابن مردويه عن جابر بن عبد الله «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة ، قال يزيد الفقير : فقلت لجابر : يقول الله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) قال : اتل أول الآية (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ) ألا إنهم الذين كفروا ، وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما : تزعم أن قوما يخرجون من النار وقد قال الله تعالى : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ويحك اقرأ ما فوقها هذه للكفار ، ورواية أنه قال له : يا أعمى البصر أعمى القلب تزعم إلخ حكاها الزمخشري وشنع إثرها على أهل السنة ورماهم بالكذب والافتراء ، فحقق ما قيل : رمتني بدائها وانسلت ، ولسنا مضطرين لتصحيح هذه الرواية ولا وقف الله تعالى صحة العقيدة على صحتها ، فكم لنا من حديث صحيح شاهد على حقيقة ما نقول وبطلان ما يقوله المعتزلة تبا لهم (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) تصريح بما أشير إليه من عدم تناهي مدة العذاب بعد بيان شدته أي عذاب دائم ثابت لا يزول ولا ينتقل أبدا.
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠) يا أَيُّهَا