صلىاللهعليهوسلم ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ لم يظهر عليهم ، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا ، وأرسلت العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا إلينا بمائة وسق ، فقالت الذليلة : وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد ونسبهما واحد وبلدهما واحد ودية بعضهم نصف دية بعض إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وقوة منكم ، فأما إذ قدم محمد صلىاللهعليهوسلم فلا نعطيكم ذلك ، فكادت الحرب تهيج بينهما ثم ارتضوا على أن جعلوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بينهما ففكرت العزيزة فقال : والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ولقد صدقوا ما أعطونا هذا إلا ضيما وقهرا لهم ، فدسوا إلى محمد صلىاللهعليهوسلم من يخبر لكم رأيه فإن أعطاكم ما تريدون حكمتموه وإن لم يعطكموه حذرتموه فلم تحكموه ، فدسوا إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ناسا من المنافقين ليختبروا لهم رأي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما جاءوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخبر الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام بأمرهم كله وما ذا أرادوا فأنزل (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) الآية ، وعلى هذا يكون أمر التحريف غير ظاهر الدخول في القصة.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدارس حين قدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة ـ وقد زنى رجل بعد إحصانه بامرأة من يهود وقد أحصنت ـ فقالوا : ابعثوا بهذا الرجل وبهذه المرأة إلى محمد صلىاللهعليهوسلم فاسألوه كيف الحكم فيهما وولوه الحكم فيهما ، فإن عمل فيهما عملكم من التجبية ـ وهي الجلد بحبل من ليف مطلي بقار ـ ثم تسود وجوههما ، ثم يحملان على حمارين وجوههما من قبل دبر الحمار فاتبعوه ، فإنما هو ملك سيد قوم وإن حكم فيهما بغيره فإنه نبي فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكم إياه ، فأتوه فقالوا : يا محمد هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت فاحكم فيهما فقد وليناك الحكم فيهما ، فمشى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أتى أحبارهم في بيت المدارس فقال : يا معشر يهود اخرجوا إلى علمائكم ؛ فأخرجوا إليه عبد الله بن صوريا وأبا ياسر بن أخطب ووهب بن يهود ، فقالوا : هؤلاء علماؤنا ، فسألهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم حصل أمرهم إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا : هذا أعلم من بقي بالتوراة ، فخلا به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ وكان غلاما شابا من أحدثهم سنا ـ فألظ به رسول الله صلىاللهعليهوسلم المسألة يقول : يا ابن صوريا أنشدك الله تعالى وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل هل تعلم أن الله تعالى حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة؟ فقال : اللهم نعم ، أما والله يا أبا القاسم إنهم ليعرفون أنك نبي مرسل ولكنهم يحسدونك ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأمر بهما فرجما عند باب مسجده ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا وجحد نبوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) إلخ.
وأخرج الحميدي في مسنده وأبو داود وابن ماجة عن جابر بن عبد الله أنه قال : «زنى رجل من أهل فدك فكتبوا إلى ناس من اليهود بالمدينة أن سلوا محمدا صلىاللهعليهوسلم عن ذلك فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه ، فسألوه عن ذلك فقال : أرسلوا إلى أعلم رجلين منكم ، فجاءوا برجل أعور يقال له ابن صوريا وآخر ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم لهما : أليس عندكما التوراة فيها حكم الله تعالى؟ قالا : بلى ، قال : فأنشدكم بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وظلل عليكم الغمام ونجاكم من آل فرعون وأنزل التوراة على موسى عليهالسلام وأنزل المنّ والسلوى على بني إسرائيل ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ، فقال أحدهما للآخر : ما أنشدت بمثله قط قالا : نجد ترداد النظر ريبة والاعتناق ريبة والقبل ريبة ، فإذا شهد أربعة أنهم رأوه بيدي ويعيد كما يدخل الميل في المكحلة فقد وجب الرجم ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم فهو كذلك فأمر به فرجم.
وفي جريان الإحصان الشرعي الموجب للرجم في الكافر ما هو مذكور في الفروع ، ولعل هذا عند من يشترط الإسلام ـ كالإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ـ كان على اعتبار شريعة موسى عليه الصلاة والسلام ، أو كان قبل نزول الجزية فليتدبر (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ) أي عذابه كما روي عن الحسن وقتادة ، واختاره الجبائي وأبو مسلم ، أو