من المعارف والحقائق النورية (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) أي المتناول من الأنفس والمتناولة من القوى النفسانية للشهوات التي حرمت عليها (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) أي امنعوهما بحسم قدرتهما بسيف المجاهدة وسكين الرياضة (جَزاءً بِما كَسَبا) من تناول ما لا يحل تناوله لها (نَكالاً) أي عقوبة من الله عزوجل (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) ووساوس شيطان النفس (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) وهم القوى النفسانية (لَمْ يَأْتُوكَ) أي ينقادوا لكم ، أو (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ) يسنون السنن السيئة (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) وهي التعينات الإلهية (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) فيزيلونها عما هي من الدلالة على الوجود الحقاني ، أو يغيرون قوانين الشريعة بتمويهات الطبيعة ـ كمن يؤوّل القرآن والأحاديث على وفق هواه ـ وليس ما نحن فيه من هذا القبيل كما يزعمه المحجوبون لأن ذلك إنما يكون بإنكار أن يكون الظاهر مرادا لله تعالى ، وقصر مراده سبحانه على هذه التأويلات ، ونحن نبرأ إلى الله عزوجل من ذلك فإنه كفر صريح ، وإنما نقول : المراد هو الظاهر وبه تعبد الله تعالى خلقه لكن فيه إشارة إلى أشياء أخر لا يكاد يحيط بها نطاق الحصر يوشك أن يكون ما ذكر بعضا منها (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) قال ابن عطاء : من يحجبه الله تعالى عن فوائد أوقاته لم يقدر أحد إيصاله إليه (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) أي بالمراقبة والمراعاة ، وقال أبو بكر الوراق : طهارة القلب في شيئين : إخراج الحسد والغش ، وحسن الظن بجماعة المسلمين (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وهو ما يأكلونه بدينهم (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) مداويا لدائهم إن رأيت التداوي سببا لشفائهم (أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) إن تيقنت إعواز الشفاء لشقائهم (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) أي داوهم على ما يستحقون ويقتضيه داؤهم ، والكلام في باقي الآيات ظاهر والله تعالى الموفق.
(وَكَتَبْنا) عطف على (أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ) والمعنى قدرنا وفرضنا (عَلَيْهِمْ) أي على الذين هادوا ، وفي مصحف أبيّ وأنزلنا على بني إسرائيل (فِيها) أي في التوراة ، والجار متعلق بكتبنا ، وقيل : بمحذوف وقع حالا أي فرضنا هذه الأمور مبينة فيها ، وقيل : صفة لمصدر محذوف أي (كَتَبْنا) كتابة مبينة (فِيها). (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) أي مأخوذة أو مقتولة أو مقتصة بها إذا قتلتها بغير حق ، ويقدر في كل مما في قوله تعالى : (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ (١) بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِ) ما يناسبه كالفقء والجذع والصلم والقلع ، ومنهم من قدر الكون المطلق ، وقال : إنه مرادهم أي يستقر أخذها بالعين ونحو ذلك.
وقرأ الكسائي : (الْعَيْنَ) وما عطف عليه بالرفع ، ووجهه أبو علي الفارسي بأن الكلام حينئذ جمل معطوفة على جملة (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) لكن من حيث المعنى لا من حيث اللفظ ، فإن معنى ـ كتبنا عليهم أن النفس بالنفس ـ قلنا لهم : النفس بالنفس ، فالجملة مندرجة تحت ما كتب على بني إسرائيل ، وجعله ابن عطية على هذا القول من العطف على التوهم وهو غير مقيس ، وقيل : إنه محمول على الاستئناف بمعنى أن الجمل اسمية معطوفة على الجملة الفعلية ، ويكون هذا ابتداء تشريع وبيان حكم جديد غير مندرج فيما كتب في التوراة ، وقيل : إنه مندرج فيه أيضا على هذا ، والتقدير وكذلك ـ العين بالعين ـ إلخ لتتوافق القراءتان.
وقال الخطيب : لا عطف ، والاستئناف بمعناه المتبادر منه ، والكلام جواب سؤال كأنه قيل : ما حال غير النفس؟ فقال سبحانه : (الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) إلخ ، وقيل : إن العين وكذا سائر المرفوعات معطوفة على الضمير المرفوع المستتر في الجار والمجرور الواقع خبرا ، والجار والمجرور بعدها حال مبينة للمعنى ، وضعف هذا بأنه يلزم العطف على الضمير المرفوع المتصل من غير فصل ولا تأكيد ، وهو لا يجوز عند البصريين إلا ضرورة.
وأجيب بأنه مفصول تقديرا إذ أصله النفس مأخوذة أو مقتصة هي بالنفس إذ الضمير مستتر في المتعلق المقدم