والوصف لا يوصف إلا بالتأويل ، ويجوز أن يعتبر منصوبا على المدح ، ومرفوعا عليه أيضا ، وفي قراءة عبد الله «ـ و ـ الذين يقيمون الصلاة» بالواو (وَهُمْ راكِعُونَ) حال من فاعل الفعلين أي يعملون ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون ومتواضعون لله تعالى.
وقيل : هو حال مخصوصة بإيتاء الزكاة ، والركوع ركوع الصلاة ، والمراد بيان كمال رغبتهم في الإحسان ومسارعتهم إليه ، وغالب الأخباريين على أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه ، فقد أخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بإسناد متصل قال : «أقبل ابن سلام ونفر من قومه آمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المجلس وإن قومنا لما رأونا آمنا بالله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم وصدقناه رفضونا وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا ، فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : إنما وليكم الله ورسوله ، ثم إنه صلىاللهعليهوسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر بسائل ، فقال : هل أعطاك أحد شيئا؟ فقال : نعم خاتم من فضة ، فقال : من أعطاكه؟ فقال : ذلك القائم ، وأومأ إلى علي كرم الله تعالى وجهه ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : على أي حال أعطاك؟ فقال : وهو راكع ، فكبر النبيصلىاللهعليهوسلم ثم تلا هذه الآية» فأنشأ حسان رضي الله تعالى عنه يقول :
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي |
|
وكل بطيء في الهدى ومسارع |
أيذهب مدحيك المحبر ضائعا |
|
وما المدح في جنب الإله بضائع |
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا |
|
زكاة فدتك النفس يا خير راكع |
فأنزل فيك الله خير ولاية |
|
وأثبتها أثنا كتاب الشرائع |
واستدل الشيعة بها على إمامته كرم الله تعالى وجهه ، ووجه الاستدلال بها عندهم أنها بالإجماع أنها نزلت فيه كرم الله تعالى وجهه ، وكلمة (إِنَّما) تفيد الحصر ، ولفظ الولي بمعنى المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها ، وظاهر أن المراد هنا التصرف العام المساوي للإمامة بقرينة ضم ولايته كرم الله تعالى وجهه بولاية الله تعالى ورسولهصلىاللهعليهوسلم ، فثبتت إمامته وانتفت إمامة غيره ، وإلا لبطل الحصر ، ولا إشكال في التعبير عن الواحد بالجمع ، فقد جاء في غير ما موضع ؛ وذكر علماء العربية أنه يكون لفائدتين : تعظيم الفاعل وأن من أتى بذلك الفعل عظيم الشأن بمنزلة جماعة كقوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) [النحل : ١٢] ليرغب الناس في الإتيان بمثل فعله ، وتعظيم الفعل أيضا حتى أن فعله سجية لكل مؤمن ، وهذه نكتة سرية تعتبر في كل مكان بما يليق به.
وقد أجاب أهل السنة عن ذلك بوجوه : الأول النقض بأن هذا الدليل كما يدل بزعمهم على نفي إمامة الأئمة المتقدمين كذلك يدل على سلب الإمامة عن الأئمة المتأخرين كالسبطين رضي الله تعالى عنهما وباقي الاثني عشر رضي الله تعالى عنهم أجمعين بعين ذلك التقرير ، فالدليل يضر الشيعة أكثر مما يضر أهل السنة كما لا يخفى ، ولا يمكن أن يقال : الحصر إضافي بالنسبة إلى من تقدمه لأنا نقول : إن حصر ولاية من استجمع تلك الصفات لا يفيد إلا إذا كان حقيقيا ، بل لا يصح لعدم استجماعها فيمن تأخر عنه كرم الله تعالى وجهه ، وإن أجابوا عن النقض بأن المراد حصر الولاية في الأمير كرم الله تعالى وجهه في بعض الأوقات أعني وقت إمامته لا وقت إمامة السبطين ومن بعدهم رضي الله تعالى عنهم «قلنا» فمرحبا بالوفاق إذ مذهبنا أيضا أن الولاية العامة كانت له وقت كونه إماما لا قبله وهو زمان خلافة الثلاثة ، ولا بعده وهو زمان خلافة من ذكر.