والفضائح وهو مبتدأ ، وقوله سبحانه : (شَرٌّ) خبره ، وقوله تعالى : (مَكاناً) تمييز محول عن الفاعل ، وإثبات الشرارة لمكانهم ليكون أبلغ في الدلالة على شرارتهم ، فقد صرحوا أن إثبات الشرارة لمكان الشيء كناية عن إثباتها له كقولهم : سلام على المجلس العالي والمجد بين برديه ، فكأن شرهم أثر في مكانهم ، أو عظم حتى صار مجسما.
وجوّز أن يكون الإسناد مجازيا كجري النهر ، وقيل : يجوز أن يكون المكان بمعنى محل الكون والقرار الذي يكون أمرهم إلى التمكن فيه أي شر منصرفا ، والمراد به جهنم وبئس المصير ، والجملة مستأنفة مسوقة منه تعالى شهادة عليهم بكمال الشرارة والضلال ، وداخلة تحت الأمر تأكيدا للإلزام ، وتشديدا للتبكيت ، وجعلها ـ جوابا للسؤال الناشئ من الجملة الاستفهامية ليستقيم احتمال البدلية السابق ـ مما لا يكاد يستقيم.
(وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) أي أكثر ضلالا عن طريق الحق المعتدل ، وهو دين الإسلام والحنيفية ، وهو عطف على (شَرٌّ) مقرر له ، وفيه دلالة على كون دينهم شرا محضا بعيدا عن الحق لأن ما يسلكونه من الطريق دينهم ، فإذا كانوا أضل كان دينهم ضلالا مبينا لا غاية وراءه ، والمقصود من صيغتي التفضيل الزيادة مطلقا من غير نظر إلى مشاركة غير في ذلك ، وقيل : للتفضيل على زعمهم وقيل : إنه بالنسبة إلى غيرهم من الكفار.
وقال بعضهم : لا مانع أن يقال : إن مكانهم في الآخرة شر من مكان المؤمنين في الدنيا لما لحقهم فيه من مكاره الدهر وسماع الأذى والهضم من جانب أعدائهم (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا) نزلت ـ كما قال قتادة والسدي ـ في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيظهرون له الإيمان والرضا بما جاء به نفاقا ، فالخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم ، والجمع للتعظيم ، أو له عليه الصلاة وللسلام مع من عنده من أصحابه رضي الله تعالى عنهم أي إذا جاءوكم أظهروا لكم الإسلام.
(وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) أي يخرجون من عندك كما دخلوا لم ينتفعوا بحضورهم بين يديك ولم يؤثر فيهم ما سمعوا منك ، والجملتان في موضع الحال من ضمير (قالُوا) على الأظهر.
وجوّز أبو البقاء أن يكونا حالين من الضمير في آمنا ، وباء بالكفر ، و (بِهِ) للملابسة ، والجار والمجرور حالان من فاعل (دَخَلُوا) و (خَرَجُوا) والواو الداخلة على الجملة الاسمية الحالية للحال ، ومن منع تعدد الجملة الحالية من غير عطف يقول : إنها عاطفة والمعطوف على الحال حال أيضا ، ودخول (قَدْ) في الجملة الحالية الماضوية ـ كما قال العلامة الثاني ـ لتقرب الماضي إلى الحال فتكسر سورة استبعاد ما بين الماضي والحال في الجملة ، وإلا ـ فقد ـ إنما تقرب إلى حال التكلم ، وهذا إشارة إلى ما أوضحه السيد السند في حاشية المتوسط من أنه قيل : إن الماضي إنما يدل على انقضاء زمان قبل زمان التكلم ، والحال الذي يبين هيئة الفاعل أو المفعول قيد لعامله ، فإن كان العامل ماضيا كان الحال أيضا ماضيا بحسب المعنى ، وإن كان حالا كان حالا ، وإن كان مستقبلا كان مستقبلا ، فما ذكروه غلط نشأ من اشتراك لفظ الحال بين الزمان الحاضر ـ وهو الذي يقابل الماضي ـ وبين ما يبين الحالة المذكورة ، ثم قال : ويمكن أن يقال : إن الفعل إذا وقع قيدا لشيء يعتبر كونه ماضيا أو حالا أو مستقبلا بالنظر إلى ذلك المقيد ، فإذا قيل : جاءني زيد ركب يفهم منه أن الركوب كان متقدما على المجيء فلا بد من قد حتى يقربه إلى زمان المجيء فيقارنه ، وذكر نحو ذلك العلامة الكافيجي في شرح القواعد ، ثم قال : وأما الاعتذار بأن تصدير الماضي المثبت بلفظة (قَدْ) لمجرد استحسان لفظي فإنما هو تسليم لذلك الاعتراض فليس بمقبول ولا مرضي انتهى.
ولذلك زيادة تفصيل في محله ، وقد ذكر لها معنى آخر في الآية غير التقريب وهو التوقع فتفيد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يتوقع دخول أولئك الفجرة وخروجهم من خضيلة حضرته ـ أفرغ من يد تفت البرمع ـ لم يعلق بهم شيء