والنسطورية ، وحالهم حالهم في ذلك ، وحال اليهود مع النصارى أظهر من أن تخفى ، ورجح عود الضمير إلى اليهود بأن الكلام فيهم ، وفائدة هذا الإخبار هنا إزاحة ما عسى أن يتوهم من ذكر طغيانهم وكفرهم من الاجتماع على أمر يؤدي إلى الإضرار بالمسلمين ، وقال أبو حيان بعد أن أرجع الضمير للطائفتين : إن المعنى لا يزال اليهود والنصارى متباغضين متعادين قلما توافق إحدى الطائفتين الأخرى ، ولا تجتمعان على قتالك وحربك ، وفي ذلك إخبار بالغيب فإنه لم يجتمع لحرب المسلمين جيش يهود ونصارى منذ سل سيف الإسلام.
وفرق السمين بين (الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) بأن العداوة أخص من البغضاء لأن كل عدو مبغض وقد يبغض من ليس بعدو (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) متعلق ـ بألقينا ـ وجوز أن يتعلق بالبغضاء أي إن التباغض بينهم مستمر ما داموا ، وليست حقيقة الغاية مرادة ، ولم يجوز أن يتعلق ـ بالعداوة ـ لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) تصريح بما أشير إليه من عدم وصول غائلة ما هم فيه إلى المسلمين ، والمراد كلما أرادوا محاربة الرسول صلىاللهعليهوسلم ورتبوا مباديها ردهم الله تعالى وقهرهم بتفرق آرائهم وحل عزائمهم وإلقاء الرعب في قلوبهم ، فإيقاد النار كناية عن إرادة الحرب ، وقد كانت العرب إذا تواعدت للقتال جعلوا علامتهم إيقاد نار على جبل أو ربوة ، ويسمونها نار الحرب ، وهي إحدى نيران مشهورة عندهم ، وإطفاؤها عبارة عن دفع شرهم ، وحكي في البحر قولين في الآية : فعن قوم أن الإيقاد حقيقة ، وكذا الإطفاء أي إنهم كلما أوقدوا نارا للمحاربة ألقى عليهم الرعب فتقاعدوا وأطفئوها ، وإضافة الإطفاء إليه تعالى إضافة المسبب إلى السبب الأصلي.
وعن الجمهور أن الكلام مخرّج مخرج الاستعارة ، والمراد من إيقاد النار إظهار الكيد بالمؤمنين الشبيه بالنار في الإضرار ، ومن إطفائها صرف ذلك عن المؤمنين ، ولعل القول بالكناية ألطف منهما ، وكون المراد من الحرب محاربة الرسول صلىاللهعليهوسلم هو المروي عن الحسن ومجاهد ، وقيل : هو أعم من ذلك أي كلما أرادوا حرب أحد غلبوا ، فإن اليهود لما خالفوا حكم التوراة سلط الله تعالى عليهم بختنصر ، ثم أفسدوا فسلط سبحانه عليهم فطرس الرومي ، ثم أفسدوا فسلط جل شأنه عليهم المجوس ، ثم أفسدوا فسلط عليهم عزوجل رسوله عليه الصلاة والسلام ، فأباد خضراءهم واستأصل شأفتهم. وفرق جمعهم وأذلهم فأجلى بني النضير وبني قينقاع ، وقتل بني قريظة وأسر أهل خيبر ، وغلب على فدك ، ودان له أهل وادي القرى ، وضرب على أهل الذمة الجزية وأبقاهم الله تعالى في ذل لا يعزون بعده أبدا ، وإطفاء النار ـ على هذا ـ عبارة عن الغلبة عليهم قاتلهم الله تعالى ، و (لِلْحَرْبِ) متعلق ـ بأوقدوا ـ واللام للتعليل ، أو متعلق بمحذوف وقع صفة لنار ، وهو الأوفق بالتسمية (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) أي يجتهدون في الكيد للإسلام وأهله ، وإثارة الشر والفتنة فيما بينهم مما يغاير ما عبر عنه بإيقاد نار الحرب ؛ كتغيير صفة النبي صلىاللهعليهوسلم وإدخال الشبه على ضعفاء المسلمين والمشي بالنميمة مع الافتراء ونحو ذلك ، و (فَساداً) إما مفعول له وعليه اقتصر أبو البقاء ، أو في موضع المصدر ، أو حال من ضمير (يَسْعَوْنَ) أي يسعون للفساد ، أو سعي فساد ، أو مفسدين.
(وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) بل يبغضهم ، ولذلك أطفأ نائرة فسادهم ، واللام إما للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا ، وإما للعهد ، ووضع المظهر موضع ضميرهم للتعليل وبيان كونهم راسخين في الإفساد.
والجملة ابتدائية مسوقة لإزاحة ما عسى أن يتوهم من تأثير اجتهادهم شيئا من الضرر ، وجعلها بعضهم في موضع الحال ، وفائدتها مزيد تقبيح حالهم وتفظيع شأنهم (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ) أي اليهود والنصارى على أن المراد بالكتاب الجنس الشامل للتوراة والإنجيل ، ويمكن أن يراد بهم اليهود فقط ، وذكر الإنجيل ليس نصا في اقتضاء العموم إلا أن الذي عليه عامة المفسرين العموم ، وذكروا بذلك العنوان تأكيدا للتشنيع عليهم ، والمراد بهم معاصر و