أو معارفهم (فَالصَّالِحاتُ) للسلوك من النساء بالمعنى السابق (قانِتاتٌ) مطيعات لله تعالى بالعبادات القالبية (حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) أي القلب عن دنس الأخلاق الذميمة ، ولعله إشارة إلى العبادات القلبية (بِما حَفِظَ اللهُ) لهم من الاستعداد (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) ترفعهن عن الانقياد إلى ما ينفعهن (فَعِظُوهُنَ) بذكر أحوال الصالحين ومقاماتهم فإن النفس تميل إلى ما يمدح لها غالبا (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) أي امنعوا دخول أنوار فيوضاتكم إلى حجرات قلوبهن ليستوحشن فربما يرجعن عن ذلك الترفع (وَاضْرِبُوهُنَ) بعصا القهر إن لم ينجع ما تقدم فيهن (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) بعد ذلك ورجعن عن الترفع والأنانية (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) بتكليفهن فوق طاقتهن وخلاف مقتضى استعدادهن (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) ومع هذا لم يكلف أحدا فوق طاقته وخلاف مقتضى استعداده (وَإِنْ خِفْتُمْ) أيها المرشدون الكمل (شِقاقَ بَيْنِهِما) أي بين الشيخ والمريد (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) فابعثوا متوسطين من المشايخ والسالكين (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً) ويقصداه (يُوَفِّقِ اللهُ) تعالى (بَيْنِهِما) وهمة الرجال تقلع الجبال.
ويمكن أن يكون الرجال إشارة إلى العقول الكاملة والنساء إشارة إلى النفوس الناقصة ، ولا شك أن العقل هو القائم بتدبير النفس وإرشادها إلى ما يصلحها ، ويراد من الحكمين حينئذ ما يتوسط بين العقل والنفس من القوى الروحانية (وَاعْبُدُوا اللهَ) بالتوجه إليه والفناء فيه (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) مما تحسبونه شيئا وليس بشيء إذ لا وجود حقيقة لغيره سبحانه (وَبِالْوالِدَيْنِ) الروح والنفس اللذين تولد بينهما القلب أحسنوا (إِحْساناً) فاستفيضوا من الأول وتوجهوا بالتسليم إليه وزكوا الثاني وطهروا برديه (وَبِذِي الْقُرْبى) وهم من يناسبكم بالاستعداد الأصلي والمشاكلة الروحانية (وَالْيَتامى) المستعدين المنقطعين عن نور الأب وهو الروح بالاحتجاب (وَالْمَساكِينِ) العاملين الذين لا حظ لهم من المعارف ولذا سكنوا عن السير وهم الناسكون (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) القريب من مقامك في السلوك (وَالْجارِ الْجُنُبِ) البعيد مقامه عن مقامك (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) الذي هو في عين مقامك (وَابْنِ السَّبِيلِ) أي السالك المتغرب عن مأوى النفس الذي لم يصل إلى مقام بعد (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من المنتمين إليكم بالمحبة والإرادة ، وقيل : الوالدين إشارة إلى المشايخ وإحسان المريد إليهم إطاعتهم والانقياد إليهم وامتثال أوامرهم فإنهم أطباء القلوب وهم أعرف بالداء والدواء ولا يداوون إلا بما يرضي الله تعالى وإن خفي على المريد وجهه.
ومن هنا قال الجنيد قدسسره : أمرني ربي أمرا وأمرني السري أمرا فقدمت أمر السري على أمر ربي وكل ما وجدت فهو من بركاته ، وأول (الْجارِ ذِي الْقُرْبى) بالروح الناطقة العارفة العاشقة الملكوتية التي خرجت من العدم بتجلي القدم وانقدحت من نور الأزل وهي أقرب كل شيء وهي جار الله تعالى المصبوغة بنوره والإحسان إليها أن تطلقها من فتنة الطبيعة وتقدس مسكنها من حظوظ البشرية لتطير بجناح المعرفة والشوق إلى عالم المشاهدة (وَالْجارِ الْجُنُبِ) بالصورة الحاملة للروح والإحسان إليها أن تفطم جوارحها من رضع ضرع الشهوات (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) وهو القلب الذي يصحبك في سفر الغيب والإحسان إليه أن تفرده من الحدثان وتشوقه إلى جمال الرحمن ، وقيل : هو النفس الأمارة ، وفي الخبر «أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك» والإحسان إليها أن تحبسها في سجن العبودية وتحرقها بنيران المحبة ، وأول (ابْنِ السَّبِيلِ) بالولي الكامل فإنه لم يزل ينتقل من نور الأفعال إلى نور الصفات ومن نور الصفات إلى نور الذات والإحسان إليه كتم سره وعدم الخروج عن دائرة أمره ، وقال بعض العارفين : وإن شئت أولت ذا القربى بما يتصل بالشخص من المجردات (وَالْيَتامى) بالقوى الروحانية ، (وَالْمَساكِينِ) بالقوى النفسانية من الحواس الظاهرة وغيرها (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) بالعقل (وَالْجارِ الْجُنُبِ) بالوهم