على فضله كرم الله تعالى وجهه وأنه ولي المؤمنين بالمعنى الذي قررناه ، ونحن لا ننكر ذلك وملعون من ينكره ، وكذا ما أخرجه ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ليس فيه أكثر من ذلك ، والتنصيص عليه كرم الله تعالى وجهه بالذكر لما قدمنا ، وقال بعض أصحابنا على سبيل التنزل : إن الآية على خبر ابن مسعود وكذا خبر الغدير ـ على الرواية المشهورة ـ على تقدير دلالتهما على أن المراد الأولى بالتصرف لا بد أن يقيدا بما يدل على ذلك في المآل ، وحينئذ فمرحبا بالوفاق لأن أهل السنة قائلون بذلك حين إمامته ، ووجهه تخصيص الأمير كرم الله تعالى وجهه حينئذ بالذكر ما علمه عليه الصلاة والسلام بالوحي من وقوع الفساد والبغي في زمن خلافته ، وإنكار بعض الناس لإمامته الحقة ، وكون ذلك بعد الوفاة من غير فصل مما لا دليل عليه ، والخبر المصدر ـ بكأني قد دعيت فأجبت ـ ليس نصا في المقصود كما لا يخفى ، ومما يبعد دعوى الشيعة من أن الآية نزلت في خصوص خلافة علي كرّم الله تعالى وجهه ، وأن الموصول فيها خاص قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فإن الناس فيه وإن كان عاما إلا أن المراد بهم الكفار ، ويهديك إليه (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) فإنه في موضع التعليل لعصمته عليه الصلاة والسلام ، وفيه إقامة الظاهر مقام المضمر أي لأن الله تعالى لا يهديهم إلى أمنيتهم فيك ، ومتى كان المراد بهم الكفار بعد إرادة الخلافة ، بل لو قيل : لم تصح لم يبعد لأن التخوف الذي تزعمه الشيعة منه صلىاللهعليهوسلم ـ وحاشاه في تبليغ أمر الخلافة ـ إنما هو من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، حيث إن فيهم ـ معاذ الله تعالى ـ من يطمع فيها لنفسه ، ومتى رأى حرمانه منها لم يبعد منه قصد الإضرار برسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، والتزام القول ـ والعياذ بالله عزوجل ـ بكفر من عرضوا بنسبة الطمع في الخلافة إليه مما يلزمه محاذير كلية أهونها تفسيق الأمير كرم الله تعالى وجهه وهو هو ، أو نسبة الجبن إليه ـ وهو أسد الله تعالى الغالب ـ أو الحكم عليه بالتقية ـ وهو الذي لا تأخذه في الله تعالى لومة لائم ولا يخشى إلا الله سبحانه ـ أو نسبة فعل الرسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، بل الأمر الإلهي إلى العبث والكل كما ترى ، لا يقال : إن عندنا أمرين يدلان على أن المراد بالموصول الخلافة ، أحدهما أنه صلىاللهعليهوسلم كان مأمورا بأبلغ عبارة بتبليغ الأحكام الشرعية التي يؤمر بها حيث قال سبحانه مخاطبا له عليه الصلاة والسلام : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الحجر : ٩٤] فلو لم يكن المراد هنا فرد هو أهم الأفراد وأعظمها شأنا ـ وليس ذلك إلا الخلافة إذ بها ينتظم أمر الدين والدنيا ـ لخلا الكلام عن الفائدة ، وثانيهما أن ابن إسحاق ذكر في سيرته أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطب الناس في حجة الوداع خطبته التي بين فيها ما بين ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا ، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا ، وإنكم ستلقون ربكم فيسألنكم عن أعمالكم ، وقد بلغت ، ثم أوصى صلىاللهعليهوسلم بالنساء ، ثم قال عليه الصلاة والسلام : فاعقلوا قولي فإني قد بلغت ، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلىاللهعليهوسلم ـ إلى أن قال : بأبي هو وأمي صلىاللهعليهوسلم ـ اللهم هل بلغت؟ قال ابن إسحاق : فذكر لي أن الناس قالوا : اللهم نعم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اللهم اشهد» انتهى.
فإن هذه الرواية ظاهرة في أن الخطبة كانت يوم عرفة يوم الحج الأكبر ـ كما في رواية يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ـ ويوم الغدير كان اليوم الثامن عشر من ذي الحجة بعد أن فرغ صلىاللهعليهوسلم من شأن المناسك وتوجه إلى المدينة المنوّرة ، وحينئذ يكون المأمور بتبليغه أمرا آخر غير ما بلغه صلىاللهعليهوسلم قبل ، وشهد الناس على تبليغه ، وأشهد الله تعالى على ذلك ، وليس هذا إلا الخلافة الكبرى والإمامة العظمى ، فكأنه سبحانه يقول : يا أيها الرسول بلغ كون علي كرم الله تعالى وجهه خليفتك وقائما مقامك بعدك (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) وإن قال لك الناس حين قلت : اللهم هل