المتصل من غير فصل ، وبأنه لو عطف على الفاعل لكان التقدير ـ وهاد الصابئون ـ فيقتضي أنهم هود ـ وليس كذلك ـ ولعل الكسائي يرى صحة العطف من غير فاصل فلا يرد عليه الاعتراض الأول ، وقيل : (إِنَ) بمعنى نعم الجوابية ولا عمل لها حينئذ ، فما بعدها مرفوع المحل على الابتداء والمرفوع معطوف عليه ، وضعفه أبو حيان بأن ثبوت (إِنَ) بمعنى نعم فيه خلاف بين النحويين.
وعلى تقدير ثبوته فيحتاج إلى شيء يتقدمها تكون تصديقا له ولا يجيء أول الكلام ، والجواب بأن ثمة سؤالا مقدرا بعيد ركيك ، وقيل : إن ـ الصابئين ـ عطف على الصلة بحذف الصدر أي الذين هم الصابئون ، ولا يخفى بعده ، وإن عدّ أحسن الوجوه ، وقيل : إنه منصوب بفتحة مقدرة على الواو والعطف حينئذ مما لا خفاء فيه ، واعترض بأن لغة ـ بلحارث وغيرهم ـ الذين جعلوا المثنى دائما بالألف نحو ـ رأيت الزيدان. ومررت بالزيدان ـ وأعربوه بحركات مقدرة ، إنما هي في المثنى خاصة ، ولم ينقل نحو ذلك عنهم في الجمع خلافا لما تقتضيه عبارة أبي البقاء ، والمسألة مما لا يجري فيها القياس فلا ينبغي تخريج القرآن العظيم على ذلك ، وقرأ أبي وكذا ابن كثير «والصابئين» وهو الظاهر «والصابيون» بقلب الهمزة ياء على خلاف القياس «والصابون» بحذفها من صبا بإبدال الهمزة ألفا فهو كرامون من رمى ، وقرأ عبد الله «يا أيها الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون» وقوله سبحانه وتعالى : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً) إما في محل رفع على أنه مبتدأ خبره قوله تعالى : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ، وجمع الضمائر الأخيرة باعتبار معنى الموصول كما أن إفراد ما في صلته باعتبار لفظه ، والجملة خبر إن أو خبر المبتدأ ، وعلى كل لا بد من تقدير العائد أي من آمن منهم ، وإما في محل النصب على أنه بدل من اسم (إِنَ) وما عطف عليه ، أو ما عطف عليه فقط ، وهو بدل بعض ، ولا بد فيه من الضمير كما تقرر في العربية فيقدر أيضا ، وقوله تعالى : (فَلا خَوْفٌ) إلخ خبر ، والفاء كما في قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) [البروج : ١٠] الآية ، والمعنى ـ كما قال غير واحد ـ على تقدير كون المراد ـ بالذين آمنوا ـ المؤمنين بألسنتهم وهم المنافقون من أحدث من هؤلاء الطوائف إيمانا خالصا بالمبدإ والمعاد على الوجه اللائق لا كما يزعمه أهل الكتاب فإنه بمعزل عن ذلك ، وعمل عملا صالحا حسبما يقتضيه الإيمان (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) حين يخاف الكفار العقاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) حين يحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب ، والمراد بيان انتفاء الأمرين لا انتفاء دوامهما على ما مرت الإشارة إليه غير مرة وأما على تقدير كون المراد ـ بالذين آمنوا ـ المتدينين بدين النبي صلىاللهعليهوسلم مخلصين كانوا أو منافقين ، فالمراد بمن آمن من اتصف منهم بالإيمان الخالص بما ذكر على الإطلاق سواء كان ذلك بطريق الثبات والدوام ـ كما في المخلصين ـ أو بطريق الإحداث والإنشاء ـ كما هو حال من عداهم من المنافقين. وسائر الطوائف ـ وليس هناك الجمع بين الحقيقة والمجاز كما لا يخفى لأن الثبات على الإيمان والإحداث فردان من مطلق الإيمان إلا أن في هذا الوجه ضم المخلصين إلى الكفرة ، وفيه إخلال بتكريمهم ، وربما يقال : إن فائدة ذلك المبالغة في ترغيب الباقين في الإيمان ببيان أن تأخرهم في الاتصاف به غير مخل بكونهم أسوة لأولئك الأقدمين الأعلام ؛ وتمام الكلام قد مر في آية البقرة فليراجع (لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) كلام مبتدأ مسوق لبيان بعض آخر من جناياتهم المنادية باستبعاد الإيمان منهم ، وجعله بعضهم متعلقا بما افتتح الله تعالى به السورة ، وهو قوله سبحانه : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة : ١] ولا يخفى بعده.
والمراد بالميثاق المأخوذ العهد المؤكد الذي أخذه أنبياؤهم عليهم في الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم وابتاعه فيما يأتي ويذر ، أو في التوحيد وسائر الشرائع والأحكام المكتوبة عليهم في التوراة.