ما تقرءونه في صلاتكم ـ ولعل مراده حتى تكونوا بحيث تعلمون ما تقرءونه وإلا فهو يستدعي تقدم الشروع في الصلاة على غاية النهي ، وإذا أريد ذلك رجع إلى ما تقدم ولكن فيه تطويل بلا طائل على أن إيثار (ما تَقُولُونَ) على ما تقرءون حينئذ يكون عاريا عن الداعي ، وروي عن ابن المسيب والضحاك وعكرمة والحسن أن المراد من الصلاة مواضعها فهو مجاز من ذكر الحال وإرادة المحل بقرينة قوله تعالى فيما يأتي : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) فإنه يدل عليه بحسب الظاهر ، فالآية مسوقة عن نهي قربان السكران المسجد تعظيما له ، وفي الخبر «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم» ويأباه ظاهر قوله تعالى : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) وروي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه حمل الصلاة على الهيئة المخصوصة وعلى مواضعها مراعاة للقولين ، وفي الكلام حينئذ الجمع بين الحقيقة والمجاز ونحن لا نقول به ، وروي عن جعفر رضي الله تعالى عنه والضحاك ـ وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ أن المراد من السكر سكر النعاس وغلبة النوم ، وأيد بما أخرجه البخاري عن أنس قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف فلينم حتى يعلم ما يقول» وروي مثله عن عائشة رضي الله تعالى عنها ـ وفيه بعد ـ وأبعد منه حمله على سكر الخمر وسكر النوم لما فيه من الجمع بين الحقيقة والمجاز ، أو عموم المجاز مع عدم القرينة الواضحة على ذلك ، وأيّا ما كان فليس مرجع النهي هو المقيد مع بقاء القيد مرخصا بحاله بل إنما هو القيد مع بقاء المقيد على حاله لأن القيد مصب النفي والنهي في كلامهم ولأنه مكلف بالصلاة مأمور بها والنهي ينافيه ، نعم لا مانع عن النهي عنها للسكران مع الأمر المطلق إلا أن مرجعه إلى هذا.
والحاصل كما قال الشهاب : إنه مكلف بها في كل حال ، وزوال عقله بفعله لا يمنع تكليفه ولذا وقع طلاقه ونحوه ، ولو لم يكن مأمورا بها لم تلزمه الإعادة إذا استغرق السكر وقتها ـ وقد نص عليه الجصاص في الأحكام ـ وفصله انتهى ، وزعم بعضهم أن النهي عن الصلاة نفسها لكن المراد بها الصلاة جماعة مع النبي صلىاللهعليهوسلم تعظيما له عليه الصلاة والسلام وتوقيرا ، ولا يخفى أنه مما لا يدل عليه نقل ولا عقل ويأباه الظاهر وسبب النزول ، وقد روي أنهم كانوا بعد ما أنزلت الآية لا يشربون الخمر في أوقات الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون ، وقرئ «سكارى» بفتح السين جمع سكران كندمان وندامى.
وقرأ الأعمش «سكرى» بضم السين على أنه صفة ـ كحبلى ـ وقع صفة لجماعة أي وأنتم جماعة سكرى ، والنخعي «سكرى» بالفتح ، وهو إما صفة مفردة جماعة كما في الضم ، وإما جمع تكسير كجرحى ، وإنما جمع سكران عليه لما فيه من الآفة اللاحقة للعقل ، والصيغة على قراءة الجمهور جمع تكسير عند سيبويه ، واسم جمع عند غيره لأنه ليس من أبنية الجمع ، ورجح الأول (وَلا جُنُباً) عطف على قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ سُكارى) فإنه في حيز النصب كأنه قيل : لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنبا ـ قاله غير واحد ـ وقال الشهاب نقلا عن البحر : إن هذا حكم الاعراب ، وأما المعنى ففرق بين قولنا جاء القوم سكارى وجاءوا وهم سكارى إذ معنى الأول جاءوا كذلك ، والثاني جاءوا وهم كذلك باستئناف الإثبات ـ ذكره عبد القاهر ـ ويعني بالاستئناف أنه مقرر في نفسه مع قطع النظر عن ذي الحال وهو مع مقارنته له يشعر بتقرره في نفسه ، ويجوز تقدمه واستمراره. ولذا قال السبكي في الأشباه : لو قال : لله تعالى عليّ أن أعتكف صائما لا بد له من صوم يكون لأجل ذلك النذر من غير سبب آخر فلا يجزئه الاعتكاف بصوم رمضان ، ولو قال : وأنا صائم أجزأه ، ولعل وجه الفرق أن الحال إذا كانت جملة دلت على المقارنة ، وأما اتصافه بمضمونها فقد يكون وقد لا يكون نحو ـ جاء زيد وقد طلعت الشمس ـ والحال المفردة صفة معنى فإذا قال : لله تعالى عليّ أن أعتكف وأنا صائم نذر مقارنته للصوم ولم ينذر صوما فيصح في رمضان ، ولو قال : صائما نذر صومه فلا يصح فيه ؛