بالطبع ، ونردها عن الهداية إلى الضلالة.
وروي ذلك عن الضحاك ، وأخرجه أبو الجارود عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه ، والحق أن الآية ليست بنص في كون ذلك في الدنيا أو في الآخرة بل المتبادر منها بحسب المقام كونه في الدنيا لأنه أدخل في الزجر ، وعليه مبنى ما روي عن الحبرين لكن لما كان في وقوع ذلك خفاء واحتمال أنه وقع ولم يبلغنا ـ على ما في التيسير ـ مما لا يلتفت إليه ، ورجح احتمال كونه في الآخرة ، وأيّا ما كان فلعل السر في تخصيصهم بهذه العقوبة من بين العقوبات ـ كما قال شيخ الإسلام ـ مراعاة المشاكلة بينها وبين ما أوجبها من جنايتهم التي هي التحريف والتغيير والفاعل والراضي سواء ، والضمير المنصوب في ـ نلعنهم ـ لأصحاب الوجوه ، أو ـ للذين ـ على طريق الالتفات لأنه بعد تمام النداء يقتضي الظاهر الخطاب ، وأما قبله فالظاهر الغيبة ، ويجوز الخطاب لكنه غير فصيح كقوله :
يا من يعز علينا أن نفارقهم |
|
وجداننا كل شيء بعدكم عدم |
أو للوجوه إن أريد به الوجهاء (وَكانَ أَمْرُ اللهِ) بإيقاع شيء ما من الأشياء ، فالمراد بالأمر معناه المعروف ، ويحتمل أن يراد به واحد الأمور ولعله الأظهر أي كان وعيده أو ما حكم به وقضاه (مَفْعُولاً) نافذا واقعا في الحال أو كائنا في المستقبل لا محالة ، ويدخل في ذلك ما أوعدتم به دخولا أوليا ، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لما سبق ، ووضع الاسم الجليل موضع الضمير بطريق الالتفات لما مر غير مرة.
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) كلام مستأنف مقرر لما قبله من الوعيد ومؤكد وجوب امتثال الأمر بالإيمان حيث إنه لا مغفرة بدونه كما زعم اليهود ، وأشار إليه قوله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا) [الأعراف : ١٦٩] وفيه أيضا إزالة خوفهم من سوء الكبائر السابقة إذا آمنوا.
والشرك يكون بمعنى اعتقاد أن لله تعالى شأنه شريكا إما في الألوهية أو في الربوبية ، وبمعنى الكفر مطلقا ـ وهو المراد هنا ـ كما أشار إليه ابن عباس فيدخل فيه كفر اليهود دخولا أوليا فإن الشرع قد نص على إشراك أهل الكتاب قاطبة وقضى بخلود أصناف الكفرة كيف كانوا ، ونزول الآية في حق اليهود على ما روي عن مقاتل لا يقتضي الاختصاص بكفرهم بل يكفي الاندراج فيما يقتضيه عموم اللفظ ، والمشهور أنها نزلت مطلقة ، فقد أخرج ابن المنذر عن أبي مجلز قال : «لما نزل قوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) [الزمر : ٥٣] الآية قام النبي صلىاللهعليهوسلم على المنبر فتلاها على الناس فقام إليه رجل فقال : والشرك بالله؟ فسكت ، ثم قام إليه فقال : يا رسول الله والشرك بالله تعالى؟ فسكت مرتين أو ثلاثا فنزلت هذه الآية (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)» إلخ والمعنى أن الله تعالى لا يغفر الكفر لمن اتصف به بلا توبة وإيمان لأنه سبحانه بت الحكم على خلود عذابه ، وحكمه لا يتغير ، ولأن الحكمة التشريعية مقتضية لسد باب الكفر ولذا لم يبعث نبي إلا لسده وجواز مغفرته بلا إيمان مما يؤدي إلى فتحه ، وقيل : لأن ذنبه لا ينمحي عنه أثره فلا يستعد للعفو بخلاف غيره ، ولا يخفى أن هذا مبني على أن فعل الله تعالى تابع لاستعداد المحل ، وإليه ذهب أكثر الصوفية وجميع الفلاسفة ، فإن (يُشْرَكَ) في موضع النصب على المفعولية ؛ وقيل : المفعول محذوف والمعنى لا يغفر من أجل أن يشرك به شيئا من الذنوب فيفيد عدم غفران الشرك من باب أولى ، والذي عليه المحققون هو الأول.
(وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) عطف على خبر إن لا مستأنف ، وذلك إشارة إلى الشرك ، وفيه إيذان ببعد درجته في القبح أي يغفر ما دونه من المعاصي وإن عظمت وكانت كرمل عالج ، ولم يتب عنها تفضلا من لدنه وإحسانا (لِمَنْ يَشاءُ) أن يغفر له ممن اتصف بما ذكر فقط ، فالجار متعلق ـ بيغفر ـ المثبت ، والآية ظاهرة في التفرقة بين الشرك وما