كفاعلة فصارت اللام كاللام فضمت للواو ، ومن ذلك قول أهل مكة : «تعالي» بكسر اللام للمرأة ، وهي لغة مسموعة أثبتها ابن جني فلا عبرة بمن لحن كابن هشام الحمداني فيها حيث يقول :
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا |
|
تعالي أقاسمك الهموم تعالي |
ولا حاجة إلى القول بأن ـ تعالي ـ الأولى مفتوحة اللام ، والثانية مكسورتها للقافية كما لا يخفى ، وأصل معنى هذا الفعل طلب الإقبال إلى مكان عال ثم عمم (فَكَيْفَ) يكون حالهم (إِذا أَصابَتْهُمْ) نالتهم (مُصِيبَةٌ) نكبة تظهر نفاقهم (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي بسبب ما عملوا من الجنايات ، كالتحاكم إلى الطاغوت والإعراض عن حكمك (ثُمَّ جاؤُكَ) للاعتذار ، وهو عطف على (أَصابَتْهُمْ) والمراد تهويل ما دهاهم ، وقيل : على (يَصُدُّونَ) وما بينهما اعتراض (يَحْلِفُونَ) حال من فاعل (جاؤُكَ) أي حالفين لك (بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا) أي ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك (إِلَّا إِحْساناً) إلى الخصوم (وَتَوْفِيقاً) بينهم ، ولم نرد بالمرافعة إلى غيرك عدم الرضا بحكمك فلا تؤاخذنا بما فعلنا ، وهذا وعيد لهم على ما فعلوا وأنهم سيندمون حين لا ينفعهم الندم ، ويعتذرون ولا يغني عنهم الاعتذار ، وقيل : جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه ، وقالوا : إن أردنا بالتحاكم إلى عمر رضي الله تعالى عنه إلا أن يحسن إلى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه ـ فإذا ـ على هذا لمجرد الظرفية دون الاستقبال.
وقيل : المعنى بالآية عبد الله بن أبيّ والمصيبة ما أصابه وأصحابه من الذل برجوعهم من غزوة بني المصطلق ـ وهي غزوة مريسيع ـ حين نزلت سورة المنافقين فاضطروا إلى الخشوع والاعتذار على ما سيذكر في محله إن شاء الله تعالى وقالوا : ما أردنا بالكلام بين الفريقين المتنازعين في تلك الغزوة إلا الخير ، أو مصيبة الموت لما تضرع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الإقالة والاستغفار واستوهبه ثوبه ليتقي به النار (أُولئِكَ) أي المنافقون المذكورون. (الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) من فنون الشرور المنافية لما أظهروا لك من بنات غير وجاءوا به من أذني عناق (فَأَعْرِضْ) حيث كانت حالهم كذلك (عَنْهُمْ) أي قبول عذرهم ، ويلزم ذلك الإعراض عن طلبهم دم القتيل لأنه هدر ، وقيل : عن عقابهم لمصلحة في استبقائهم ، ولا تظهر لهم علمك بما في بواطنهم الخبيثة حتى يبقوا على نيران الوجل (وَعِظْهُمْ) بلسانك وكفهم عن النفاق (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ) أي قل لهم خاليا لا يكون معهم أحد لأنه أدعى إلى قبول النصيحة ، ولذا قيل : النصح بين الملأ تقريع ، أو قل لهم في شأن أنفسهم ومعناها (قَوْلاً بَلِيغاً) مؤثرا واصلا إلى كنه المراد مطابقا لما سيق له من المقصود فالظرف على التقديرين متعلق بالأمر.
وقيل : متعلق ب (بَلِيغاً) وهو ظاهر على مذهب الكوفيين ، والبصريون لا يجيزون ذلك لأن معمول الصفة عندهم لا يتقدم على الموصوف لأن المعمول إنما يتقدم حيث يصح تقدم عامله ، وقيل : إنه إنما يصح إذا كان ظرفا وقواه البعض ، وقيل : إنه متعلق بمحذوف يفسره المذكور ـ وفيه بعد ـ والمعنى على تقدير التعلق (قُلْ لَهُمْ قَوْلاً بَلِيغاً فِي أَنْفُسِهِمْ) مؤثرا فيها يغتمون به اغتماما ، ويستشعرون منه الخوف استشعارا ، وهو التوعد بالقتل والاستئصال ، والإيذان بأن ما انطوت عليه قلوبهم الخبيثة من الشر والنفاق بمرأى من الله تعالى ومسمع ـ غير خاف عليه سبحانه ـ وإن ذلك مستوجب لما تشيب منه النواصي ، وإنما هذه المكافة والتأخير لإظهارهم الإيمان وإضمارهم الكفر ، ولئن أظهروا الشقاق وبرزوا بأشخاصهم من نفق النفاق لتسامرنهم السمر والبيض ، وليضيقن عليهم رحب الفلا بالبلاء العريض ، واستدل بالآية الأولى على أنه قد تصيب المصيبة بما يكتسبه العبد من الذنوب ، ثم اختلف في ذلك فقال الجبائي : لا يكون ذلك إلا عقوبة في التائب ، وقال أبو هاشم : يكون ذلك لطفا.
وقال القاضي عبد الجبار : قد يكون لطفا وقد يكون جزاء وهو موقوف على الدليل.