الإطلاق ، والشرط الثاني لم يعول عليه المحققون ، وقيل : إن الرفع على توهم كون الشرط ماضيا فإنه حينئذ لا يجب ظهور الجزم في الجواب لأن الأداة لما لم يظهر أثرها في القريب لم يجب ظهوره في البعيد وما قيل عليه من أن كون الشرط ماضيا والجزاء مضارعا إنما يحسن في كلمة ـ إن ـ لقلبها الماضي إلى معنى الاستقبال فلا يحسن ـ أينما كنتم يدرككم الموت ـ إلا على حكاية الماضي وقصد الاستحضار فيه نظر ، نعم يرد عليه أن فيه تعسفا إذا لتوهم ـ كما قال ابن المنير ـ أن يكون ما يتوهم هو الأصل ، أو مما كثر في الاستعمال حتى صار كالأصل ، وما توهم هنا ليس كذلك ، وقيل : إن (يُدْرِكْكُمُ) كلام مبتدأ و (أَيْنَما تَكُونُوا) متصل ب (لا تُظْلَمُونَ) ، واعترض كما قال الشهاب : بأنه ليس بمستقيم معنى وصناعة ، أما الأول فلأنه لا يناسب اتصاله بما قبله لأن (لا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) المراد منه في الآخرة فلا يناسبه التعميم ، وأما الثاني فلأنه يلزم عليه عمل ما قبل اسم الشرط فيه وهو غير صحيح لصدارته ، وأجيب عن الأول بأنه لا مانع من تعميم (وَلا تُظْلَمُونَ) للدنيا والآخرة أو يكون المعنى لا ينقصون شيئا من مدة الأجل المعلوم لا من الأجود ، وبه ينتظم الكلام ، وعن الثاني بأن المراد من الاتصال بما قبله ـ كما قال الحلبي ـ والسفاقسي اتصاله به معنى لا عملا على أن (أَيْنَما تَكُونُوا) شرط جوابه محذوف تقديره (لا تُظْلَمُونَ) وما قبله دليل الجواب ، وأنت تعلم أن هذا التخريج وإن التزم الذب عنه بما ترى خلاف الظاهر المنساق إلى الذهن ، وأولى التخريجات أنه على حذف الفاء وهو الذي اختاره المبرد ، والقول بأن الحذف ضرورة في حيز المنع (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ) أي قصور ، قاله مجاهد وقتادة وابن جريج ، وعن السدي والربيع رضي الله تعالى عنهم أنها قصور في السماء الدنيا ، وقيل : المراد بها بروج السماء المعلومة ، وعن أبي علي الجبائي أنها البيوت التي فوق القصور ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أنها الحصون والقلاع وهي جمع برج وأصله من التبرج وهو الإظهار ، ومنه تبرجت المرأة إذا أظهرت حسنها (مُشَيَّدَةٍ) أي مطلية بالشيد وهو الجص قاله عكرمة أو مطولة بارتفاع ـ قاله الزجاج ـ فهو من شيد البناء إذا رفعه ؛ وقرأ مجاهد (مُشَيَّدَةٍ) بفتح الميم وتخفيف الياء كما في قوله تعالى : (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) [الحج : ٤٥] وقرأ أبو نعيم بن ميسرة (مُشَيَّدَةٍ) بكسر الياء على التجوز ك (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١ ـ القارعة : ٧] وقصيدة شاعرة ، والجملة معطوفة على أخرى مثلها أي لو لم تكونوا في بروج (وَلَوْ كُنْتُمْ) إلخ ، وقد أطرد الحذف في مثل ذلك لوضوح الدلالة (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) نزلت على ما روي عن الحسن وابن زيد في اليهود وذلك أنهم كانوا قد بسط عليهم الرزق فلما قدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة فدعاهم إلى الإيمان فكفروا أمسك عنهم بعض الإمساك فقالوا : ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مذ قدم علينا هذا الرجل ، فالمعنى إن تصبهم نعمة أو رخاء نسبوها إلى الله تعالى وإن تصبهم بلية من جدب وغلاء أضافوها إليك متشائمين كما حكي عن أسلافهم بقوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) [الأعراف : ١٣١] وإلى هذا ذهب الزجاج والفراء والبلخي والجبائي وقيل : نزلت في المنافقين ، ابن أبيّ وأصحابه الذين تخلفوا عن القتال يوم أحد ، وقالوا للذين قتلوا (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) [آل عمران : ٩١] فالمعنى إن تصبهم غنيمة قالوا : هي من عند الله تعالى ، وإن تصبهم هزيمة قالوا : هي من سوء تدبيرك ، وهو المروي عن ابن عباس وقتادة وقيل : نزلت فيمن تقدم وليس بالصحيح ، وصحح غير واحد أنها نزلت في اليهود والمنافقين جميعا لما تشاءموا من رسول اللهصلىاللهعليهوسلم حين قدم المدينة وقحطوا ، وعلى هذا فالمتبادر من الحسنة والسيئة هنا النعمة والبلية ، وقد شاع استعمالها في ذلك كما شاع استعمالها في الطاعة والمعصية ، وإلى هذا ذهب كثير من المحققين ، وأيد بإسناد الإصابة إليهما بل جعله صاحب الكشف دليلا بينا عليه وبأنه أنسب بالمقام لذكر الموت والسلامة قبل ، وقوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أمر لهصلىاللهعليهوسلم بأن يرد زعمهم الباطل واعتقادهم الفاسد ويرشدهم إلى الحق ببيان إسناد الكل إليه تعالى على الإجمال أي كل