متعلق به وقدم رعاية للفاصلة ، وفي إفراد ضمير الرفع وجمع ضمير الجر مراعاة للفظ ـ من ـ ومعناها ، وفي العدول عن ـ ومن تولى فقد عصاه ـ الظاهر في المقابلة إلى ما ذكر ما لا يخفى من المبالغة ، (وَيَقُولُونَ) الضمير للمنافقين كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والحسن والسدي وقيل : للمسلمين الذين حكي عنهم أنهم يخشون الناس كخشية الله أي ويقولون إذا أمرتهم بشيء (طاعَةٌ) أي أمرنا وشأننا طاعة على أنه خبر مبتدأ محذوف وجوبا ، وتقدير طاعتك طاعة خلاف الظاهر أو عندنا أو منا طاعة على أنه مبتدأ وخبره محذوف وكان أصله النصب كما يقول المحب : سمعا وطاعة لكنه يجوز في مثله الرفع ـ كما صرح به سيبويه ـ للدلالة على أنه ثابت لهم قبل الجواب (فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ) أي خرجوا من مجلسك وفارقوك (بَيَّتَ طائِفَةٌ) أي جماعة (مِنْهُمْ) وهم رؤساؤهم ، والتبييت إما من البيتوتة لأنه تدبير الفعل ليلا والعزم عليه ، ومنه تبييت نية الصيام ويقال : هذا أمر تبيت بليل ، وإما من بيت الشعر لأن الشاعر يدبره ويسويه ، وإما من البيت المبني لأنه يسوي ويدبر ، وفي هذا بعد ـ وإن أثبته الراغب لغة ـ والمراد زورت وسوت (غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) أي خلاف ما قلت لها أو ما قالت لك من القبول وضمان الطاعة ، والعدول عن الماضي لقصد الاستمرار ، وإسناد الفعل إلى طائفة منهم لبيان أنهم المتصدون له بالذات ؛ والباقون أتباع لهم في ذلك لا لأنهم ثابتون على الطاعة ، وتذكيره أو لا لأن تأنيث الفاعل غير حقيقي ، وقرأ أبو عمرو وحمزة (بَيَّتَ طائِفَةٌ) بالإدغام لقربهما في المخرج ، وذكر بعض المحققين أن الإدغام هنا على خلاف الأصل والقياس ، ولم تدغم تاء متحركة غير هذه (وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) أي يثبته في صحائفهم ليجازيهم عليه ، أو فيما يوحيه إليك فيطلعك على أسرارهم ويفضحهم ـ كما قال الزجاج ـ والقصد على الأول لتهديدهم ، وعلى الثاني لتحذيرهم (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي تجاف عنهم ولا تتصد للانتقام منهم ، أو قلل المبالاة بهم والفاء لسببية ما قبلها لما بعدها (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي فوض أمرك إليه وثق به في جميع أمورك لا سيما في شأنهم ، وإظهار الاسم الجليل للإشعار بعلة الحكم (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) قائما بما فوض إليه من التدبير فيكفيك مضرتهم وينتقم لك منهم ، والإظهار لما سبق للإيذان باستقلال الجملة واستغنائها عما عداها من كل وجه (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) لعله جواب سؤال نشأ من جعل الله تعالى شهيدا كأنه قيل : شهادة الله تعالى لا شبهة فيها ولكن من أين يعلم أن ما ذكرته شهادة الله تعالى محكية عنه؟ فأجاب سبحانه بقوله : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ) وأصل التدبر التأمل في أدبار الأمور وعواقبها ثم استعمل في كل تأمل سواء كان نظرا في حقيقة الشيء وأجزائه ، أو سوابقه وأسبابه ، أو لواحقه وأعقابه ، والفاء للعطف على مقدر أي ـ أيشكون في أن ما ذكر شهادة الله تعالى فلا يتدبرون القرآن الذي جاء به هذا النبي صلىاللهعليهوسلم المشهود له ليعلموا كونه من عند الله فيكون حجة وأي حجة على المقصود ـ وقيل : المعنى أيعرضون عن القرآن فلا يتأملون فيه ليعلموا كونه من عند الله تعالى بمشاهدة ما فيه من الشواهد التي من جملتها هذا الوحي الصادق والنص الناطق بنفاقهم المحكي على ما هو عليه (وَلَوْ كانَ) أي القرآن. (مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ) كما يزعمون (لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) بأن يكون بعض إخباراته الغيبية كالإخبار عما يسره المنافقون غير مطابق للواقع لأن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى فحيث أطرد الصدق فيه ولم يقع ذلك قط علم أنه بإعلامه تعالى ومن عنده ، وإلى هذا يشير كلام الأصم والزجاج ، وفي رواية عن ابن عباس أن المراد لوجدوا فيه تناقضا كثيرا ، وذلك لأن كلام البشر إذا طال لم يخل ـ بحكم العادة ـ من التناقض ، وما يظن من الاختلاف كما في كثير من الآيات ، ومنه ما سبق آنفا ليس من الاختلاف عند المتدبرين ، وقيل ـ وهو مما لا بأس به خلافا لزاعمه ـ المراد لكان الكثير منه مختلفا متناقضا قد تفاوت نظمه وبلاغته فكان بعضه بالغا حدّ الإعجاز وبعضه قاصرا عنه يمكن معارضته ، وبعضه إخبارا بغيب قد وافق المخبر عنه ، وبعضه إخبارا مخالفا للمخبر عنه ، وبعضه دالا على معنى صحيح عند علماء المعاني ، وبعضه دالا على معنى فاسد غير ملتئم فلما تجاوب كله بلاغة معجزة فائقة