سبحا : تصرّفا وتقلّبا في مهمّاتك وشواغلك ، فلا تفرغ كما ينبغي لعبادتك ومناجاة ربّك الّتي تقتضي فراغ البال إلّا باللّيل ، فاجعله لذلك لتفوز بخير الدّنيا والآخرة ، وقيل : فراغا وسعة لنومك وتصرّفك في حوائجك ، وهو مرويّ عنهم عليهمالسلام وقيل إن فاتك من اللّيل شيء فلك في النّهار فراغ تقدر على تداركه فيه ، وأما القراءة بالخاء (١) فاستعارة من سبخ الصّوف وهو نفشه ونشر أجزائه لانتشار الهمّ ، وتفرّق القلب بالشّواغل.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) ودم على ذكره في ليلك ونهارك ، وأحرص عليه ، وذكر الله يتناول كلّ ما كان من ذكر طيّب : تسبيح وتهليل وتكبير وتمجيد وتوحيد وصلاة وتلاوة قرآن ودراسة علم وغير ذلك ممّا كان رسول الله استغرق به ساعات ليله ونهاره كذا في الكشاف ، وقريب منه في تفسير القاضي والجوامع ، وقد استدلّ به على وجوب البسملة.
وقيل : المراد به الدّعاء بذكر أسمائه الحسنى كما في قوله (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) ويستدلّ بذلك على جواز الدّعاء في جميع الحالات ، وفي الصلاة للدّين والدّنيا ، ولإخوانه المؤمنين ، ولشخص بعينه ، قال في الكنز : وليس بعيدا من الصواب لعموم قوله (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ) الآية وكلّ ذلك موضع تأمّل كما لا يخفى.
(وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) وانقطع إليه ، وقال تبتيلا لأنّ معنى تبتّل بتّل نفسه ، فجيء به على معناه مراعاة لحقّ الفواصل ، روى محمّد بن مسلم وحمران بن أعين عن الصّادق (٢) عليهالسلام أنّ التبتّل هنا رفع اليدين في الصّلاة ، وفي رواية أبي بصير قال : هو رفع يديك إلى الله وتضرّعك إليه ، ويمكن أن يكون ذلك علامة للانقطاع إليه
__________________
(١) نقل هذه القراءة في روح المعاني ج ٢٩ ص ١٠٦ عن ابن يعمر وعكرمة وابن ابى عبلة ونقلها ابن خالويه في شواذ القرآن ص ١٦٤ عن يحيى بن يعمر.
(٢) المجمع ج ٥ ص ٣٧٨.