إلى الله ، وشدّة العناية بامتثال أوامره ونواهيه ، فيذكر الله ويتذكّر ثوابه وعقابه عند أوامره ، فلا يفوته شيء منها ، وعند نواهيه فلا يرتكب شيئا منها أو على ذكره عند أوامره ونواهيه فتمتثلها ، وأما الأمر المتقدّم فبحسب ما فسّر به فيحمل على ظاهره من الوجوب ، إلّا أن يمنع مانع من الإجماع أو غيره.
ثمّ ذكر سبحانه ما يبعث إلى الذكر ويدعو إليه ويحثّ عليه ، فقال (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) قالوا هم الملائكة ، ومعنى «عند» دنو الزلفة والقرب من رحمة الله وفضله ، وربما أمكن أن يراد ما يعمّ جميع المقرّبين من الملائكة وغيرهم ، الفائزين بمزيد الفضل والرحمة وعلوّ الدرجة ، فتأمل فيه.
(لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) بل يتوفّرون على طاعته وابتغاء مرضاته ، ويذكرونه متضرّعين خائفين كما أمرناكم به (وَيُسَبِّحُونَهُ) ينزهونه عمّا لا يليق به (وَلَهُ يَسْجُدُونَ) ويختصّونه بالعبادة لا يشركون به غيره ، وهو تعريض بمن سواهم من المكلّفين قاله الكشاف وفي المجمع : أى يخضعون ، وقيل يصلّون ، وقيل يسجدون في الصلاة.
اعلم أنّهم ذكروا استحباب السجدة (١) في هذه الآية ، وكأنّ فيها إشارة ما إلى ذلك ، وكذا في عشرة مواضع غيرها في الرّعد ، والنحل ، وبني إسرائيل ، ومريم ، والحجّ في موضعين ، والفرقان ، والنمل وص وإذا السماء انشقّت ووجوبه في أربع «الم» عند قوله (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا) الاية و «حم» عند قوله (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ) الاية ، ويحتمل عند (لا يَسْأَمُونَ) والأحوط السجدة عندهما ، وآخر النجم (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) وآخر اقرأ (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ).
ودليل الأصحاب في ذلك كلّه الإجماع والأخبار ، فالاستدلال على الوجوب بأنّها
__________________
(١) انظر تفصيل مواضع السجدة في العروة الوثقى المسئلة ٢ من مسائل سائر أقسام السجود وانظر أيضا دعائم الإسلام ط دار المعارف بالقاهرة ج ١ ص ٢١٤ والحدائق ج ٨ ص ٣٢٩ والبحار ج ١٨ الصلاة ص ٣٧١.