ويكون الندب بالنسبة إلى المتوضّئين والوجوب بالنسبة إلى المحدثين ، فيقال : إن قصد ذلك بالأمر فلا ريب أنه استعمال له في معنيي الوجوب والندب ، وهذا وإن كان
__________________
وعاريا عن قرينة الاستحباب ، الا أن هذا القيد ليس قيدا للموضوع له ولا للمستعمل فيه حتى يكون ذلك مفاد الصيغة ومدلولها اللفظي ، وليس الوجوب أمرا شرعيا منشأ بإنشاء الأمر بل أمر عقلي من جهة حكم العقل بوجوب اطاعة الأمر ، فإن العقل يستقل بلزوم الانبعاث عن بعث المولى والانزجار عن زجره قضاء لحق المولوية والعبودية.
فبمجرد بعث المولى يجد العقل أنه لا بد للعبد من الطاعة أو الانبعاث ما لم يرخص في تركه ، فليس المدلول للفظ الأمر إلا الطلب من العالي ، ولكن العقل هو الذي يلزم العبد بالانبعاث ، ويوجب عليه الطاعة لأمر المولى ، ما لم يصرح المولى بالترخيص وبإذن الترك.
فالأمر لو خلي وطبعه وبدون الترخيص شأنه أن يكون من مصاديق حكم العقل بوجوب الطاعة ، فاستفادة الوجوب على تقدير تجرد الصيغة عن القرينة على إذن الأمر بالترك ، انما هو بحكم العقل ، إذ هو من لوازم صدور الأمر من المولى ، ومع صدور الترخيص في الترك يحمل على الاستحباب ، ولا يكون استعماله في موارد الندب مغايرا لاستعماله في موارد الوجوب من جهة المعنى المستعمل فيه اللفظ ، فليس هو موضوعا للوجوب ، بل ولا موضوعا للأعم من الوجوب والندب لان الوجوب والندب ليس للمعنى المستعمل فيه اللفظ من التقسيمات من استعماله في معناه الموضوع له.
وعليه فلا يلزم فيما ورد في كثير من الاخبار من الجمع بين الواجبات والمستحبات بصيغة واحدة مثل «اغتسل للجنابة والجمعة والتوبة» استعمال اللفظ في أكثر من معنى أو استعمال اللفظ في مطلق الطلب حتى يلزم ما ذكروه من المحذورات ، بل الصيغة في الكل لإيقاع النسبة بداعي البعث والتحريك غاية الأمر قام الدليل في بعض الإفراد على عدم لزوم الانبعاث واجازة الترك ، ولم يقع في بعض الإفراد فيكون موردا لحكم العقل.
وعندي أن ما أفادوه بمكان من الحسن دقيق عميق فنقول في المقام أيضا الأمر بالوضوء لإيجاد البعث عليه لإقامة الصلاة ، فيجب فيما لم يرد ترخيص كما فيما إذا أراد المحدث اقامة صلاته الواجبة ولا يجب فيما أراد المحدث اقامة صلاته المسنونة أو إذا لم يكن محدثا ويجدد الوضوء للصلاة فهو مما رخص في تركه ، فيخرج من مصاديق حكم العقل بوجوب الإطاعة انظر البحث في أصول الفقه للمظفر ج ١ ص ٥٩ و ٦٠.