فان قلنا إنّ اللام في ليعبدوا زائدة أي (١) «إلّا أن يعبدوا» دل على أن كل مأمور به عبادة ، وأنه يجب إيقاعها مخلصا فمثل قضاء الدين ودفع الظلم والنوم عند الضرورة إليه إذا لم يقع على وجه الإخلاص لم يحصل به الامتثال ، وكان المكلّف به آثما بتركه ، وإن حصل براءة الذمة من حق الناس وبعض المصالح المتعلّقة بالمأمور فيسقط التكليف لعدم بقاء المحل لا لوقوع الامتثال فلا يكون الإخلاص في مثله شرطا لحصول الثواب فقط ، بل لعدم العقاب أيضا فتأمل.
وإن قلنا اللام للتعليل كما في الكشاف (٢) والبيضاوي : احتمل ذلك أيضا أي ما أمروا بما أمروا إلّا لأجل أن يعبدوا الله بذلك حال كونهم مخلصين له تلك العبادة ولا يبعد أن لا يعتبر كون تعبّدهم بذلك المأمور به ، أى ما أمروا بما أمروا إلّا لأجل أن يعبدوا الله مخلصين له العبادة ، فالأمر حينئذ إمّا بالعبادة مخلصين ، أو بما يؤدّى العمل به إليها.
ويحتمل على الوجوه كلّها أن يكون الحصر إضافيّا كما لا يخفى ، فلا يأتي بعض ما قلنا. نعم لا ريب في كون العبادة على وجه الإخلاص مأمورا بها على الوجوه كلّها.
(حُنَفاءَ) حال آخر ، أى مستقيمين على طريق الحق والصواب أو مائلين إليه عن الاعتقادات الزائفة والطرق الباطلة ، فهو تأكيد لحصر العبادة في الله ، المفهوم من قوله إلّا إلخ بعد تأكيده بالإخلاص ، وعطف «يقيموا ويؤتوا» يدلّ على زيادة الاهتمام
__________________
الإصبع ص ١٠٤ وشرح النهج للخوئى ط الإسلامية ج ١ ص ١٥٨ والتعريفات للجرجانى ص ١٦ والبرهان للزركشى ج ٣ ص ٤٤٦ والإتقان ج ٢ ص ٨٤ النوع الثامن والخمسون وريحانة الألباء ج ١ ص ٣٣ والتفاسير عند تفسير هذه الآية أو تفسير (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ).
(١) قد عرفت صحة زيادة اللام لإفادة التأكيد بعد فعل الأمر وفعل الإرادة فراجع تعاليقنا على هذا الكتاب ص ٣٣ يؤيد هذا الوجه قراءة ابن مسعود على ما نقله في الكشاف ج ٤ ص ٧٨٢ الا ان يعبدوا.
(٢) الكشاف ج ٤ ص ٧٨٢.