ثمّ الأمر بالاجتناب عن عينها ظاهرا وجعله سببا يرجى منه الفلاح ، مشعرا بأنّ مباشرها لا يفلح مع إمكان أن يقال إنّ في لعلّ أيضا نحو تأكيد وإيماء بأنهم لما تقدّم منهم من ذلك ، صاروا بعيدين عن الفلاح فافهم.
ثم أكّد ذلك ببيان ما فيهما من المفاسد الدنيويّة والدينيّة ثمّ قرّر كلّ ذلك فقال (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) بصيغة الاستفهام مرتّبا على ما تقدّم من أنواع الصوارف ، إيذانا بأنّ الأمر في المنع والتحذير بلغ الغاية ، وأنّ الاعذار قد انقطعت.
ثمّ أمر بإطاعة الله ورسوله وحذّر عن المخالفة وهدّد على التولّي عن ذلك وغير ذلك.
وفي اللباب (١) فروى أبو ميسرة أنّ عمر بن الخطّاب قال : اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيان شفاء ، فأنزل الله الآية الّتي في سورة البقرة (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) الاية فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيان شفاء ، فنزلت الّتي في النساء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت الّتي في المائدة «إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ـ إلى قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» فدعي عمر فقرئ عليه ، فقال : انتهينا انتهينا. أخرجه الترمذي من طريقين ، وقال هذا أصحّ ، وأخرجه أبو داود والنسائي انتهى والعاقل يكفيه إشارة.
ثمّ في الآية أحكام لكن إيرادها هنا باعتبار الاستدلال لها على نجاسة الخمر وهو من وجهين :
الف ـ أنّه وصفه بالرجس ، وهو وصف بالنجاسة لترادفهما ، ولذلك يؤكّد
__________________
(١) تفسير الخازن ج ١ ص ٤٨٥ ورواه في الترمذي كتاب التفسير انظر ج ٣ ص ٩٨ من تحفة الاحوذى ورواه أبو داود في كتاب الأشربة انظر عون المعبود ج ٣ ص ٣٦٤ والنسائي ج ٨ ص ٢٨٦ كتاب الأشربة وانظر في ذلك أيضا تعاليقنا على كنز العرفان ج ٢ من ص ١٤ الى ص ١٨ ففيها مطالب مفيدة.