بالقول المعنى المصدري أي القضاء الصواب الجاري على وفق الحكمة فلذا صح الإخبار عنه بظرف الزمان أي وقضاؤه سبحانه المعروف بالحقية كائن حين يقول سبحانه لشيء من الأشياء كن فيكون ذلك الشيء وتقديم الخبر للاهتمام بعموم الوقت كما قيل ، ونفي السعد كونه للحصر لعدم مناسبته وجعل التقديم لكونه الاستعمال الشائع. وتعقب بأن المعروف الشائع تقديم الخبر الظرفي إذا كان المبتدأ نكرة غير موصوفة أو نكرة موصوفة أما إذا كان معرفة فلم يقله أحد. وقيل : إن (قَوْلُهُ الْحَقُ) مبتدأ وخبر و (يَوْمَ) ظرف لمضمون الجملة والواو بحسب المعنى داخلة عليها والتقديم للاعتناء به من حيث إنه مدار الحقية ، وترك ذكر المقول له للثقة بغاية ظهوره. والمراد بالقول كلمة (كُنْ) تحقيقا أو تمثيلا والمعنى وأمره سبحانه المتعلق بكل شيء يريد خلقه من الأشياء حين تعلقه به لا قبله ولا بعده من أفراد الأحيان الحق أي المشهود له بالحقية ، وقيل : إن الواو للعطف و (يَوْمَ) إما معطوف على (السَّماواتِ) فهو مفعول لخلق مثله ، والمراد به يوم الحشر أي وهو الذي أوجد السماوات والأرض وما فيهما وأوجد يوم الحشر والمعاد ، وإما على الهاء في «اتقوه» فهو مفعول به مثله أيضا ، والكلام على حذف مضاف أي اتقوا الله تعالى واتقوا هول ذلك اليوم وعقابه وفزعه. وإما متعلق بمحذوف دل عليه «بالحق» أي يقوم بالحق يوم إلخ ، وهو إعراب متكلف كما قال أبو حيان. وقيل : إنه معطوف على «بالحق» وهو ظرف لخلق أي خلق السماوات والأرض بعظمها حين قال كن فكان. والتعبير بصيغة الماضي إحضار للأمر البديع. وفيه أنه يتوقف على صحة عطف الظرف على الحال بناء على أن الحال ظرف في المعنى وهو تكلف. «وقوله الحق» مبتدأ وخبر أو فاعل يكون على معنى وحين يقول لقوله الحق أي لقضائه كن فيكون. والمراد به حين يكون الأشياء ويحدثها أو حين يقوم القيامة فيكون التكوين إحياء الأموات للحشر. وقيل غير ذلك فتدبر.
(وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) أي استقر الملك له في ذلك اليوم صورة ومعنى بانقطاع العلائق المجازية الكائنة في الدنيا المصححة للمالكية في الجملة فلا يدعيه غيره بوجه. والصور قرن ينفخ فيه كما ثبت في الأحاديث والله تعالى أعلم بحقيقته. وقد فصلت أحواله في كتب السنة. وصاحبه إسرافيل عليهالسلام على المشهور. وأخرج البزار والحاكم عن أبي سعيد الخدري مرفوعا أن ملكين موكلين بالصور ينتظران متى يؤمران فينفخان. وقرأ قتادة «في الصّور» جمع صورة والمراد بها الأبدان التي تقوم بعد نفخ الروح فيها لرب العالمين (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي كل غيب وشهادة (وَهُوَ الْحَكِيمُ) في كل ما يفعله (الْخَبِيرُ) بجميع الأمور الخفية والجلية. والجملة تذييل لما تقدم وفيه لفّ ونشر مرتب هذا.
ومن باب الإشارة في الآيات : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ). اعلم أن بعض ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم ذكروا أن للغيب مراتب ، أولاها غيب الغيوب وهو علم الله تعالى المسمى بالعناية الأولى. وثانيتها غيب عالم الأرواح وهو انتقاش صورة كل ما وجد وسيوجد من الأزل إلى الأبد في العالم الأول العقلي الذي هو روح العالم المسمى بأم الكتاب على وجه كلي وهو القضاء السابق. وثالثتها غيب عالم القلوب وهو ذلك الانتقاش بعينه مفصلا تفصيلا علميا كليا وجزئيا في عالم النفس الكلية التي هي قلب العالم المسمى باللوح المحفوظ. ورابعتها غيب عالم الخيال وهو انتقاش الكائنات بأسرها في النفوس الجزئية الفلكية منطبعة في أجرامها معينة مشخصة مقارنة لأوقاتها على ما يقع بعينه. وذلك العالم هو الذي يعبر عنه بالسماء الدنيا إذ هو أقرب مراتب الغيوب إلى عالم الشهادة ولوح القدر الإلهي الذي هو تفصيل قضائه سبحانه ، وذكروا أن علم الله تعالى الذي هو العناية الأولى عبارة عن إحاطته سبحانه بالكل حضورا فالخزائن المشتملة على جميع الغيوب حاضرة لذاته وليس هناك شيء زائد ولا يعلمها إلا هو