يَفْتَرُونَ (١٣٧) وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣٨) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١) وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)(١٤٢)
وقوله سبحانه : (يا مَعْشَرَ الْجِنِ) على إضمار القول ، والمعشر الجماعة أمرهم واحد ، وقال الطبرسي : الجماعة التامة من القوم التي تشتمل على أصناف الطوائف ومنه العشرة لأنها تمام العقد ، والمراد بالجن أو بمعشرهم على ما قيل الشياطين ، وذكر بعض الفضلاء أن الجن يقال على وجهين ، أحدهما للروحانيين المستترين عن الحواس كلها فيدخل فيهم الملائكة والشياطين ، وثانيهما للروحانيين مما عدا الملائكة ، وقال آخرون: إن الروحانيين ثلاثة : أخيار وهم الملائكة وأشرار وهم الشياطين. وأوساط فيهم أخيار وأشرار ، وأيا ما كان فالمقصود بالنداء الأشرار الذين يغوون الناس فإنهم أهل للخطاب بقوله سبحانه : (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) أي أكثرتم من إغوائهم وإضلالهم كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، ومجاهد ، والزجاج ، فالكلام على حذف مضاف أو منهم بأن جعلتموهم أتباعكم فحشروا معكم كما يقال : استكثر الأمير من الجنود وهذا بطريق التوبيخ والتقريع.
قيل : وإنما ذكر المعشر في جانب الجن دون جانب الانس لما أن الإغواء كثيرا ما يقتضي التظاهر والتعاون ، وفي المعشر نوع إيماء إليه ولا كذلك الغوى (وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ) أي الذين أطاعوهم واتبعوهم (مِنَ الْإِنْسِ) أي الذين هم من الإنس أو كائنين منهم ، فمن إما لبيان الجنس أو متعلقة بمحذوف وقع حالا من أولياء (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) أي انتفع الإنس بالجن حيث دلوهم على الشهوات وما يتوصل به إليها والجن بالإنس حيث اتخذوهم قادة ورؤساء واتبعوا أمرهم فأدخلوا عليهم السرور بذلك.
وعن الحسن ، وابن جريج ، والزجاج ، وغيرهم أن استمتاع الإنس بهم أنهم كانوا إذا سافر أحدهم وخاف الجن قال : أعوذ بسيد هذا الوادي. واستمتاعهم بالإنس اعترافهم بأنهم قادرون على إعاذتهم وإجارتهم.
وعن محمد بن كعب أن المراد باستمتاع بعضهم ببعض طاعة بعضهم بعضا وموافقته له. وقال البلخي : يحتمل أن يكون الاستمتاع مقصورا على الإنس فيكون الإنس قد استمتع بعضهم ببعض الجن دون الجن.