التمكن ؛ وجوز أن يكون ظرفا بمعنى المكان كالمقام والمقامة ، ومن هنا فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كما رواه ابن المنذر عنه بالناحية وتجوز به عن ذلك من فسره بالحالة أي اعملوا على حالتكم التي أنتم عليها.
وقرأ أبو بكر عن عاصم «مكاناتكم» على الجمع في كل القرآن ، وزعم الواحدي أن الوجه الإفراد وفيه نظر ، والمعنى اثبتوا على كفركم ومعاداتكم لي (إِنِّي عامِلٌ) على مكانتي أي ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم.
والأمر للتهديد وإيراده بصيغة الأمر كما قال غير واحد ـ مبالغة في الوعيد كأن المهدد يريد تعذيبه مجمعا عازما عليه فيحمله بالأمر على ما يؤدي إليه وتسجيل بأن المهدد لا يتأتى منه إلا الشر كالمأمور به الذي لا يقدر أن يتفصى عنه. وجعل العلامة الثاني ذلك من قبيل الاستعارة التمثيلية تشبيها لذلك المعنى بالمعنى المأمور به الواجب الذي لا بد أن يكون ممن ضربت عليه الشقوة (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أي إنكم لتعلمون ذلك لا محالة. فسوف لتأكيد مضمون الجملة. والعلم عرفاني فيتعدى إلى واحد ، ومن استفهامية معلقة لفعل العلم محلها الرفع على الابتداء. والجملة بعدها خبرها ومجموعهما ساد مسد مفعول العلم.
والمراد بالدار الدنيا لا دار السلام كما قيل ، وبالعاقبة العاقبة الحسنى أي عاقبة الخير لأنها الأصل فإنه تعالى جعل الدنيا مزرعة الآخرة وقنطرة المجاز إليها وأراد من عباده أعمال الخير لينالوا حسن الخاتمة.
وأما عاقبة الشر فلا اعتداد بها لأنها من نتائج تحريف الفجار أي فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها ويجوز أن تكون ما موصولة فمحلها النصب على أنها مفعول (تَعْلَمُونَ) أي فسوف تعلمون الذي له عاقبة الدار ، وفيه مع الإنذار المستفاد من التهديد إنصاف في المقال وتنبيه على كمال وثوق المنذر بأمره. وقرأ حمزة ، والكسائي «يكون» بالتحتية لأن تأنيث العاقبة غير حقيقي (إِنَّهُ) أي الشأن (لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي لا يظفروا بمطلوبهم ، وإنما وضع الظلم موضع الكفر لأنه أعم منه وهو أكثر فائدة لأنه إذا لم يفلح الظالم فكيف الكافر المتصف بأعظم افراد الظلم (وَجَعَلُوا) أي مشركو العرب (لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) أي خلق قال الراغب : الذرء ، إظهار الله تعالى ما أبدعه يقال : ذرأ الله تعالى الخلق أي أوجد أشخاصهم ، وقال الطبرسي : الذرء الخلق على وجه الاختراع وأصله الظهور ومنه ملح ذراني لظهور بياضه. ومن متعلقة بجعل وما موصولة وجملة (ذَرَأَ) صلته والعائد محذوف. وقوله سبحانه : (مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ) متعلق بذرأ.
وجوز أبو البقاء أن يكون «مما» متعلقا بمحذوف وقع حالا من قوله تعالى : (نَصِيباً) وأن يكون (مِنَ الْحَرْثِ) حالا أيضا من ما أو من العائد المحذوف. و (نَصِيباً) على كل تقدير مفعول جعل وهو متعد لواحد ، وجوز أن يكون متعديا لاثنين أولهما (مِمَّا ذَرَأَ) على أن من تبعيضية وثانيهما (نَصِيباً) ، وقيل : الأمر بالعكس.
واعترض بأنه لا يساعده سداد المعنى ، وأيا ما كان فهذا شروع في تقبيح أحوالهم الفظيعة بحكاية أقوالهم وأفعالهم الشنيعة ، أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية : إنهم كانوا إذا احترثوا حرثا أو كانت لهم ثمرة جعلوا لله تعالى منه جزءا وجزءا للوثن فما كان من حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه فإن سقط شيء مما سمي للصمد ردوه إلى ما جعلوه للوثن وإن سبقهم الماء الذي جعلوه للوثن فسقي شيئا مما جعلوه لله تعالى جعلوه للوثن وإن سقط شيء من الحرث والثمرة الذي جعلوه لله تعالى فاختلط بالذي جعلوه للوثن قالوا : هذا فقير ولم يردوه إلى ما جعلوا لله تعالى وإن سبقهم الماء الذي سموا لله تعالى فسقي ما سموا للوثن تركوه للوثن ، وكانوا يحرمون من أنعامهم البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحامي فيجعلونه للأوثان