تكن» بالتاء «ميتة» بالرفع ، وابن كثير «يكن» بالياء وميتة بالرفع. وأبو بكر عن عاصم «تكن» بالتاء كابن عامر «ميتة» بالنصب.
قال الإمام : وجه قراءة ابن عامر أنه ألحق الفعل علامة التأنيث لما كان الفاعل مؤنثا في اللفظ ، ووجه قراءة ابن كثير أن «ميتة» اسم «يكن» وخبره مضمر أي إن يكن لهم أو هناك ميتة ، وذكر لأن الميتة في معنى الميت.
وقال أبو علي : لم يلحق الفعل علامة التأنيث لأن تأنيث الفاعل المسند إليه غير حقيقي ولا تحتاج كان إلى خبر لأنها بمعنى وقع وحدث ، ووجه القراءة الأخيرة أن المعنى وإن تكن الأجنة أو الأنعام ميتة (سَيَجْزِيهِمْ) ولا بد (وَصْفَهُمْ) الكذب على الله تعالى في أمر التحليل والتحريم من قوله تعالى : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) [النحل : ٦٢] وهو ـ كما قال بعض المحققين ـ من بليغ الكلام وبديعه فإنهم يقولون : وصف كلامه الكذب إذا كذب ، وعينه تصف السحر أي ساحر ، وقده يصف الرشاقة بمعنى رشيق مبالغة حتى كان من سمعه أو رآه وصف له ذلك بما يشرحه له ، قال المعري :
سرى برق المعرة بعد وهن |
|
فبات برامة يصف الملالا |
ونصب (وَصْفَهُمْ) على ما ذهب إليه الزجاج لوقوعه موقع مصدر «يجزيهم» فالكلام على تقدير المضاف أي جزاء وصفهم ، وقيل : التقدير سيجزيهم العقاب بوصفهم أي بسببه فلما سقط الباء نصب (وَصْفَهُمْ).
(إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) تعليل للوعد بالجزاء فإن الحكيم العليم بما صدر عنهم لا يكاد يترك جزاءهم الذي هو من مقتضيات الحكمة. واستدل بالآية على أنه لا يجوز الوقف على أولاده الذكور دون الإناث وأن ذلك الوقف يفسخ ولو بعد موت الواقف لأن ذلك من فعل الجاهلية ، واستدل بذلك بعض المالكية على مثل ذلك في الهبة ، وأخرج البخاري في التاريخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : يعمد أحدكم إلى المال فيجعله للذكور من ولده إن هذا إلا كما قال الله تعالى : (خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ) وهم العرب الذين كانوا يقتلون أولادهم على ما مر ، وأخرج ابن المنذر عن عكرمة أنها نزلت فيمن كان يئد البنات من ربيعة ومضر أي هلكت نفوسهم باستحقاقهم على ذلك العقاب أو ذهب دينهم ودنياهم.
وقرأ ابن كثير وابن عامر «قتّلوا» بالتشديد لمعنى التكثير أي فعلوا ذلك كثيرا (سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي لخفة عقلهم وجهلهم بصفات ربهم سبحانه ، ونصب (سَفَهاً) على أنه علة لقتلوا أو على أنه حال من فاعله ، ويؤيده أنه قرئ «سفهاء» أو على المصدرية لفعل محذوف دل عليه الكلام ، والجار والمجرور إما صفة أو حال.
(وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) من البحائر والسوائب. ونحوهما (افْتِراءً عَلَى اللهِ) نصب على أحد الأوجه المذكورة ، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لإظهار كمال عتوهم وطغيانهم (قَدْ ضَلُّوا) عن الطريق السوي (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) إليه وإن هدوا بفنون الهدايات أو ما كانوا مهتدين من الأصل ، والمراد المبالغة في نفي الهداية عنهم لأن صيغة الفعل تقتضي حدوث الضلال بعد أن لم يكن فأردف ذلك بهذه الحال لبيان عراقتهم في الضلال وأن ضلالهم الحادث ظلمات بعضها فوق بعض ، وصرح بعض المحققين بأن الجملة عطف على (ضَلُّوا) على الأول واعتراض على الثاني ، وقرأ ابن رزين «قد ضلوا قبل ذلك وما كانوا مهتدين».
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ) تمهيد لما سيأتي من تفصيل أحوال الأنعام. وقال الإمام : إنه عود إلى ما هو المقصود الأصلي وهو إقامة الدلائل على تقرير التوحيد أي وهو الذي خلق وأظهر تلك الجنات من غير شركة