وعن الفراء تخصيصها بكشف العورة. وفي الآية ـ على ما قاله الطبرسي ـ حذف ، أي وإذا فعلوا فاحشة فنهوا عنها (قالُوا) جواب للناهين (وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) محتجين بأمرين : تقليد الآباء والافتراء على الله سبحانه. وتقديم المقدم للإيذان بأنه المعول عليه عندهم أو للإشارة منهم إلى أن آباءهم إنما كانوا يفعلونها بأمر الله تعالى على أن ضمير (أَمَرَنا) كما قيل لهم ولآبائهم. وحينئذ يظهر وجه الإعراض عن الأول في رد مقالتهم بقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) فإن عادته تعالى جرت على الأمر بمحاسن الأعمال والحث على مكارم الخصال وهو اللائق بالحكمة المقتضية أن لا يتخلف ، وقال الإمام : لم يذكر سبحانه جوابا عن حجتهم الأولى لأنها إشارة إلى محض التقليد وقد تقرر في العقول أنه طريقة فاسدة لأن التقليد حاصل في الأديان المتناقضة فلو كان التقليد حقا لزم القول بحقية الأديان المتناقضة وأنه محال فلما كان فساد هذا الطريق ظاهرا لم يذكر الله تعالى الجواب عنه ، وذكر بعض المحققين أن الاعراض إنما هو عن التصريح برده وإلا فقوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ) إلخ متضمن للرد لأنه سبحانه إذا أمر بمحاسن الأعمال كيف يترك أمره لمجرد اتباع الآباء فيما هو قبيح عقلا والمراد بالقبح العقلي هنا نفرة الطبع السليم واستنقاص العقل المستقيم لا كون الشيء متعلق الذم قبل ورود النهي عنه وهو المتنازع فيه بيننا وبين المعتزلة دون الأول كما حقق في الأصول فلا دلالة في الآية على ما زعموه ، وقيل : إن المذكور جوابا سؤالين مترتبين كأنه قيل لهم لما فعلوها لم فعلتم؟ قالوا وجدنا آباءنا فقيل : ومن أين أخذ آباؤكم؟ فقالوا : الله أمرنا بها والكلام حينئذ على تقدير مضاف أي أمر آباءنا ؛ وقيل : لا تقدير والعدول عن أمرهم الظاهر حينئذ للإشارة إلى ادعاء أن أمر آبائهم أمر لهم. وعلى الوجهين يمتنع التقليد إذا قام الدليل على خلافه فلا دلالة في الآية على المنع من التقليد مطلقا.
(أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من تمام القول المأمور به ، والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه والإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يكون ، وتوجيه الإنكار إلى قولهم عليه تعالى ما لا يعلمون صدوره منه عز شأنه مع أن منهم من يقول عليه سبحانه ما يعلم عدم صدوره مبالغة في إنكار تلك الصورة ، ولا دليل في الآية لمن نفى القياس بناء على أن ما يثبت به مظنون لا معلوم لأن ذلك مخصوص من عمومها بإجماع الصحابة ومن يعتد به أو بدليل آخر ، وقيل : المراد بالعلم ما يشمل الظن (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) بيان للمأمور به إثر نفي ما أسند أمره إليه تعالى من الأمور المنهي عنها ؛ والقسط على ما قال غير واحد العدل ، وهو الوسط من كل شيء المتجافي عن طرفي الإفراط والتفريط.
وقال الراغب : هو النصيب بالعدل كالنصف والنصفة. ويقال : القسط لأخذ قسط غيره وذلك جور والأقساط لإعطاء قسط غيره وذلك إنصاف ولذلك يقال : قسط الرجل إذا جار وأقسط إذا عدل. وهذا أولى مما قاله الطبرسي من أن أصله الميل فإن كان إلى جهة الحق فعدل. ومنه قوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [المائدة : ٤٢ ، الحجرات : ٩ ، الممتحنة : ٨] وإن كان إلى جهة الباطل فجور ، ومنه قوله تعالى : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) [الجن : ١٥] والمراد به هنا ـ على ما نقل عن أبي مسلم ـ جميع الطاعات والقرب.
وروي عن ابن عباس ، والضحاك أنه التوحيد وقول لا إله إلا الله ، ومجاهد ، والسدي ، وأكثر المفسرين على أنه الاستقامة والعدل في الأمور (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ) أي توجهوا إلى عبادته تعالى مستقيمين غير عادلين إلى غيرها (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) أي في وقت كل سجود كما قال الجبائي أو مكانه كما قال غيره فعند بمعنى في والمسجد اسم زمان أو مكان بالمعنى اللغوي ، وكان حقه فتح العين لضمها في المضارع إلا أنه مما شذ عن القاعدة ، وزعم بعضهم أنه مصدر ميمي والوقت مقدر قبله ، والسجود مجاز عن الصلاة. وقال غير واحد : المعنى توجهوا إلى الجهة التي أمركم الله تعالى بالتوجه إليها في صلاتكم وهي جهة الكعبة ، والأمر على القولين للوجوب.