وكان فيهم رجل يقال له : جهير بن سراقة البارقي ـ من زنادقة نصارى العرب ، وكان له منزلة من ملوك النصرانية ، وكان مثواه بنجران ـ فقال له : أبا سعد قل في أمرنا وأنجدنا برأيك ، فهذا مجلس له ما بعده.
فقال : فإني أرى لكم أن تقاربوا محمدا وتعطوه في بعض ملتمسه عندكم ، ولينطلق وفودكم إلى ملوك أهل ملتكم ، إلى الملك الأكبر بالروم قيصر ، وإلى ملوك هذه الجلدة السوداء الخمسة ـ يعني ملوك السودان : ملك النوبة ، وملك الحبشة ، وملك علوه ، وملك الرعا ، وملك الواحات ، ومريس ، والقبط ، وكل هؤلاء كانوا نصارى ـ.
قال : وكذلك من ضوي إلى الشام وحل بها من ملوك غسان ، ولخم ، وجذام ، وقضاعة ، وغيرهم من ذوي يمنكم ، فهم لكم عشيرة وموالي ومآل ، وفي الدين إخوان ـ يعني أنهم نصارى ـ وكذلك نصارى الحيرة من العباد وغيرهم ، فقد صبت إلى دينهم قبائل تغلب نبت وائل وغيرهم من ربيعة بن نزار.
لتسير وفودكم ، ثم لتخرق إليهم البلاد آغذاذا فيستصرخونهم لدينكم ، فيستنجدكم الروم ، وتسير إليكم الأساودة مسير أصحاب الفيل ، وتقبل إليكم نصارى العرب من ربيعة اليمن.
فإذا وصلت الأمداد واردة سرتم أنتم في قبائلكم وسائر من ظافركم وبذل نصره ومؤازرته لكم ، حتى تضاهئون من أنجدكم وأصرخكم من الأجناس والقبائل الواردة عليكم ، فأموا محمدا حتى تبيتوا جميعا ، فسيعتق إليكم وافدا لكم من صبا إليه مغلوبا مقهورا ، وينعتق به من كان منهم في مدرته مكثورا ، فيوشك أن تصطلموا حوزته ، وتطفئوا جمرته ، ويكون لكم بذلك الوجه والمكان في الناس ، فلا تتمالك العرب حينئذ حتى تتهافت