ترسيخ شقة الخلاف وتوسيعها مع الطرف الآخر الذي لم يتجاوز حدود الشريعة منذ صدورها ولم يلتجئ في الفتيا إلى ما يمحق الدين كالقياس والاستحسان ، والمصالح المرسلة وسد الذرائع ، التي ما أنزل الله بها من سلطان
كما أسهمت بعض السياسات المعاصرة على إبقاء ما كان على ما كان ، فحجبت الدراسات الموضوعية التي استهدفت تبصير المسلمين بملابسات التشريع ، وواقع تاريخهم الإسلامي ، عن الوصول إلى رعاياها ، لأن الوقوف على سر الخلاف وحقيقته لا يجري بصالحها ، فتراها كالخفافيش المختبئة في جحورها المظلمة هروبا من أشعة الشمس وضيائها.
وإذا ما نظرنا إلى ثقافة المسلمين أنفسهم ، ومدى انفتاح كل فريق منهم على ما عند الآخر ، وإلى ما يتصل بروح التعصب التي تحجر الفكر وتقيد حريته ، وتصيب العيون بحمى الألوان فلا ترى إلا ما استقر عليه السلف ، عرفت السر وراء صمت مدرسة الرأي وانغلاقها على نفسها ، وعدم نزوعها لنداء مدرسة النص التي أخذت على عاتقها دراسة مسائل الخلاف بروح موضوعية مقارنة ، مستهدية بنصوص الكتاب والسنة ، ودليل العقل الذي حرمت منه شرعية مسلمة واسعة ، فبرزت في سمائها أسماء لامعة سخرت طاقتها للكتابة في هذا الحقل ، فتركت تراثا إسلاميا خالدا يتسم بالموضوعية والمقارنة إلى حد بعيد ، ويأتي في طليعة تلك الأسماء اسم الشهيد الثالث (قدسسره) الشريف (السيد القاضي نور الله التستري / ٩٥٦ ـ ١٠١٩ ه).
لقد خلف الشهيد الثالث تركة علمية ضخمة ما بين كتاب ورسالة معظمها في المسائل الخلافية العقائدية والفقهية ، ومن بينها رسالته في مسح