من الياء ، وأما الحواء فليس من لفظ الحية بل من حوى يحوي إذا جمع (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي بكفر من كفر وعقابه وإيمان من آمن وثوابه ، ولعل الجمع بين الوصفين لاشتمال الكفر والإيمان على الاعتقاد والقول ، أما اشتمال الايمان على القول فظاهر لاشتراط إجراء الأحكام بكلمتي الشهادة ، وأما اشتمال الكفر عليه فبناء على المعتاد فيه أيضا (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) مقدر باذكر أو بدل من يوم الفرقان ، وجوز أن يتعلق بعليم وليس بشيء ، ونصب قليلا على أنه مفعول ثالث عند الاجهوري أو حال على ما يفهمه كلام غيره.
والجمهور على أنه صلىاللهعليهوسلم أري ما أري في النوم وهو الظاهر المتبادر ، وحكمة إراءتهم إياه صلىاللهعليهوسلم قليلين أن يخبر أصحابه رضي الله تعالى عنهم فيكون ذلك تثبيتا لهم ، وعن الحسن أنه فسر المنام بالعين لأنها مكان النوم كما يقال للقطيفة المنامة لأنها ينام فيها فلم تكن عنده هناك رؤيا أصلا بل كانت رؤية ، وإليه ذهب البلخي ولا يخفى ما فيه لأن المنام شائع بمعنى النوم مصدر ميمي على ما قال بعض المحققين أو في موضع الشخص النائم على ما في الكشف ففي الحمل على خلاف ذلك تعقيد ولا نكتة فيه ، وما قيل : إن فائدة العدول الدلالة على الأمن الوافر فليس بشيء لأنه لا يفيد ذلك فالنوم في تلك الحال دليل الأمن لا أن يريهم في عينه التي هي محل النوم ، على أن الروايات الجمة برؤيته صلىاللهعليهوسلم إياهم مناما وقص ذلك على أصحابه مشهورة لا يعارضها كون العين مكان النوم نظرا إلى الظاهر ، ولعل الرواية عن الحسن غير صحيحة فإنه الفصيح العالم بكلام العرب ، وتخريج كلامه على أن في الكلام مضافا محذوفا أقيم المضاف إليه مقامه أي في موضع منامك مما يرتضيه اليقظان أيضا ، والتعبير بالمضارع لاستحضاره الصورة الغريبة ، والمراد إذ أراكهم الله قليلا (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) أي لجبنتم وهبتم الإقدام ، وجمع ضمير الخطاب في الجزاء مع افراده في الشرط إشارة كما قيل : إلى أن الجبن يعرض لهم لا لهصلىاللهعليهوسلم إن كان الخطاب للأصحاب فقط وإن كان للكل يكون من إسناد ما للأكثر للكل (وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) أي أمر القتال وتفرقت آراؤكم في الثبات والفرار (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) أي أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع.
(إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي الخواطر التي جعلت كأنها مالكة للصدور ، والمراد أنه يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع ولذلك دبر ما دبر (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) مقدر بمضمر خوطب به الكل بطريق التلوين والتعميم معطوف على ما قبل ، والضميران مفعولا يرى وقليلا حال من الثاني ، وإنما قللهم سبحانه في أعين المسلمين حتى قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إلى من بجنبه : أتراهم سبعين؟ فقال : أراهم مائة تثبيتا وتصديقا لرسوله عليه الصلاة والسلام (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) حتى قال أبو جهل : إنما أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم أكلة جزور ، وكان هذا التقليل في ابتداء الأمر قبل التحام القتال ليجترءوا عليهم ويتركوا الاستعداد والاستمداد ثم كثرهم سبحانه حتى رأوهم مثليهم لتفاجئهم الكثرة فيبهتوا ويهابوا.
(لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) كرر لاختلاف الفعل المعلل به إذ هو في الأول اجتماعهم بلا ميعاد وهنا تقليلهم ثم تكثيرهم ، أو لأن المراد بالأمر ثم الالتقاء على الوجه المحكي ، وهاهنا إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وحزبه ، هذا وذكر غير واحد أن ما وقع في هذه الواقعة من عظائم الآيات فإن البصر وإن كان قد يرى الكثير قليلا والقليل كثيرا لكن لا على ذلك الوجه ولا إلى ذلك الحد وإنما يتصور ذلك بصد الأبصار عن إبصار بعض دون بعض مع التساوي في الشرائط. واعترض بأن ما ذكر من التعليل مناسب لتقليل الكثير لا لتكثير القليل ، وأجيب بأن تكثير القليل من جانب المؤمنين بكون الملائكة عليهمالسلام ومن جانب الكفرة حقيقة فلا يحتاج إلى توجيه فيهما وإنما المحتاج إليه تقليل الكثير ، وذكر في الكشاف طريقين لإبصار الكثير قليلا أن يستر الله