أن الإيمان بخلقه سبحانه وأنه لا يؤمن إلا من بعد إذنه وأن الذين حقت عليهم الكلمة لا يؤمنون أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يأمر بالنظر لئلا يزهد فيه بعد تلك الإفادة ، وأرى الأول أولى ، وجاء ضم لام قل وكسرها وهما قراءتان سبعيتان ، وقوله سبحانه : (ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في محل نصب بإسقاط الخافض لأن الفعل قبله معلق بالاستفهام لأن (ما) استفهامية وهي مبتدأ و (ذا) بمعنى الذي والظرف صلته وهو خبر المبتدأ ، ويجوز أن يكون (ما ذا) كله اسم استفهام مبتدأ والظرف خبره أي أي شيء بديع في السموات والأرض من عجائب صنعته تعالى الدالة على وحدته وكمال قدرته جل شأنه.
وجوز أن يكون (ما ذا) كله موصولا بمعنى الذي وهو في محل نصب بالفعل قبله ، وضعفه السمين بأنه لا يخلو حينئذ من أن يكون النظر قلبيا كما هو الظاهر فيعدى بفي وأن يكون بصريا فيعدى بإلى. (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) أي ما تكفيهم وما تنفعهم. وقرئ بالتذكير ، والمراد بالآيات ما أشير إليه بقوله سبحانه : (ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ففيه إقامة الظاهر مقام المضمر وَالنُّذُرُ) جمع نذير بمعنى أي الرسل المنذرون أو بمعنى إنذار أي الإنذارات ، وجمع لإرادة الأنواع ، وجوز أن يكون (النُّذُرُ) نفسه مصدرا بمعنى الإنذار ، والمراد بهؤلاء القوم المطبوع على قلوبهم أي لا يؤمنون في علم الله تعالى وحكمه و (ما) نافية والجملة اعتراضية ، وجوز أن يكون في موضع الحال من ضمير (قُلِ) وفي القلب من جعلها حالا من ضمير (انْظُرُوا) شيء فانظروا ، ويتعين كونها اعتراضية إذا جعلت (ما) استفهامية إنكارية ، وهي حينئذ في موضع النصب على المصدرية للفعل بعدها أو على أنه مفعول به له ، والمفعول على هذا وكذا على احتمال النفي محذوف إن لم ينزل الفعل منزلة اللازم أي ما تغني شيئا (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ) أي هؤلاء المأمورون بالنظر من مشركي مكة وأشرافهم (إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا) أي مثل وقائعهم ونزول بأس الله تعالى بهم إذ لا يستحقون غير ذلك ، وجاء استعمال الأيام في الوقائع كقولهم : أيام العرب ، وهو مجاز مشهور من التعبير بالزمان عما وقع فيه كما يقال : المغرب للصلاة الواقعة فيه ، والمراد بالموصول المشركون من الأمم الماضية (مِنْ قَبْلِهِمْ) متعلق ـ بخلوا ـ جيء به للتأكيد والإيماء بأنهم سيخلون كما خلوا (قُلْ) تهديدا لهم (فَانْتَظِرُوا) ذلك (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) إياه فمتعلق الانتظار واحد بالذات وهو الظاهر وجوز أن يكون مختلفا بالذات متحدا بالجنس أي فانتظروا إهلاكي إني معكم من المنتظرين هلاككم (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا) بالتشديد ، وعن الكسائي ، ويعقوب بالتخفيف ، وهو عطف على مقدر يدل عليه قوله سبحانه : (مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا) وما بينهما اعتراض جيء به مسارعة إلى التهديد ومبالغة في تشديد الوعيد كأنه قيل : نهلك الأمم ثم ننجي المرسل إليهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بهم ، وعبر بالمضارع لحكاية الحال الماضية لتهويل أمرها باستحضار صورها ، وتأخير حكاية التنجية عن حكاية الإهلاك على عكس ما جاء في غير موضع ليتصل به قوله سبحانه : (كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) أي ننجيهم إنجاء كذلك الإنجاء الذي كان لمن قبلهم على أن الإشارة إلى الإنجاء ، والجار المجرور متعلق بمقدر وقع صفة لمصدر محذوف. وجوز أن يكون الكاف في محل نصب بمعنى مثل سادة مسد المفعول المطلق. ويحتمل عند بعض أن يكون في موقع الحال من الإنجاء الذي تضمنه (نُنَجِّي) بتأويل نفعل الإنجاء حال كونه مثل ذلك الإنجاء وأن يكون في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك ، و (حَقًّا) نصب بفعله المقدر أي حق ذلك حقا ، والجملة اعتراض بين العامل والمعمول على تقدير أن يكون (كَذلِكَ) معمولا للفعل المذكور بعد ، وفائدتها الاهتمام بالإنجاء وبيان أنه كائن لا محالة وهو المراد بالحق ، ويجوز أن يراد به الواجب ، ومعنى كون الإنجاء واجبا أنه كالأمر الواجب عليه تعالى وإلا فلا وجوب حقيقة عليه سبحانه ، وقد صرح بأن الجملة