بشيخه الطيبي بقوله : وأما دلالة (صَبَرُوا) على أن العمل الصالح شكر لأنه ورد في الأثر الإيمان نصفان : نصف صبر ، ونصف شكر ، ودلالة عملوا على أن الصبر إيمان لأنهما ضميمتان في الأكثر فغير مطابق لما نحن فيه إلا أن يراد وجه آخر كأنه قيل : إلا المؤمن الصالح الصابر الشاكر وهو وجه ـ لكن القول ما قالت حذام ـ لأن الكناية تفيد ذلك مع ما فيها من الحسن والمبالغة (أُولئِكَ) إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البعد لما مر غير مرة أي أولئك الموصوفون بتلك الصفات الحميدة (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) عظيمة لذنوبهم ما كانت (وَأَجْرٌ) ثواب لأعمالهم الحسنة (كَبِيرٌ) وصف بذلك لما احتوى عليه من النعيم السرمدي ورفع التكاليف والأمن من العذاب ورضا الله سبحانه عنهم والنظر إلى وجهه الكريم في جنة عرضها السماوات والأرض ، ووجه تعلق الآيات الثلاث بما قبلهن على ما في البحر أنه تعالى لما ذكر أن عذاب الكفار وإن تأخر لا بد أن يحيق بهم ذكر ما يدل على كفرهم وكونهم مستحقين العذاب لما جبلوا عليه من كفر نعماء الله تعالى وما يترتب على إحسانه تعالى إليهم مما لا يليق بهم من البطر والفخر ، قيل : وهو إشارة إلى أن الوجه تضمن الآيات تعليل الحيق ويبعده تعليله بما في حيز الصلة قبل ، واختار بعضهم أنه الاشتراك في الذم فما تضمنه الآيات قبل بيان بعض هناتهم وما تضمنته هذه بيان بعض آخر.
وقال بعض المحققين : إن وجه التعلق من حيث إن إذاقة النعماء ومساس الضراء فصل من باب الابتلاء واقع موقع التفصيل من الإجمال في قوله سبحانه : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) والمعنى أن كلّا من إذاقة النعماء ونزعها مع كونه ابتلاء للإنسان أيشكر أم يكفر لا يهتدي إلى سنن الصواب بل يحيد في كلتا الحالتين عنه إلى مهاوي الضلال فلا يظهر منه حسن عمل إلا من الصابرين الصالحين ، أو من حيث إن إنكارهم البعث واستهزاءهم بالعذاب بسبب بطرهم وفخرهم كأنه قيل : إنما فعلوا ما فعلوا لأن طبيعة الإنسان مجبولة على ذلك انتهى ، ولا يخفى ما في الأول من البعد. والثاني أقرب ، والله تعالى أعلم.
من باب الإشارة في الآيات : (الر) إشارة إلى ما مرت الإشارة إليه (أُحْكِمَتْ آياتُهُ) أي حقائقه وأعيانه في العالم الكلي فلا تتبدل ولا تتغير (ثُمَّ فُصِّلَتْ) في العالم الجزئي وجعلت مبينة معينة بقدر معلوم (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ) فلذا أحكمت (خَبِيرٍ) فلذا فصلت ، وقد يقال : الإشارة إلى آيات القرآن قد أحكمت في قلوب العارفين (ثُمَّ فُصِّلَتْ) أحكامها على أبدان العاملين ، وقيل : (أُحْكِمَتْ) بالكرامات (ثُمَّ فُصِّلَتْ) بالبينات (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أي أن لا تشركوا في عبادته سبحانه وخصصوه عزوجل بالعبادة (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ) عقاب الشرك وتبعته (وَبَشِيرٌ) بثواب التوحيد وفائدته ، وقيل. (نَذِيرٌ) بعظائم قهره (وَبَشِيرٌ) بلطائف وصله (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) اطلبوا منه سبحانه أن يستركم عن النظر إلى الغير حتى أفعالكم وصفاتكم (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) ارجعوا بالفناء ذاتا ، وقيل : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) من الدعاوى و (تُوبُوا إِلَيْهِ) من الخطرات المذمومة (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) بتوفيقكم لاتباع الشريعة حال البقاء بعد الفناء ، ويقال : المتاع الحسن صفاء الأحوال ، وسناء الأذكار ، وحلاوة الأفكار وتجلي الحقائق ، وظهور اللطائف ، والفرح برضوان الله تعالى وطيب العيش بمشاهدة أنواره سبحانه ، والمتاع كل المتاع مشاهدة المحب حبيبه ، ولله در من قال :
مناي من الدنيا لقاؤك مرة |
|
فإن نلتها استوفيت كل منائيا |
(إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو وقت وفاتكم (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ) بالسعي والاجتهاد وبذل النفس (فَضْلَهُ) في الدرجات والقرب إليه سبحانه ؛ ويقال : (يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ) في الاستعداد (فَضْلَهُ) في الكمال ، وسئل أبو عثمان عن معنى ذلك فقال : يحقق آمال من أحسن به ظنه (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي تعرضوا عن امتثال الأمر والنهي (فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) وهو يوم الرجوع إلى الله تعالى الذي يظهر فيه عجز ما سواه تعالى ويتبين قبح