قال : إن الرجل ليصلي ويلعن نفسه في قراءته فيقول : ألا لعنة الله على الظالمين وهو ظالم. وربما يجوز ذلك على الاحتمال الثاني أيضا ، وأيّا ما كان ـ فهؤلاء الذين ـ مبتدأ وخبر ، واحتمال أن يكون (هؤُلاءِ) مبتدأ ، و (الَّذِينَ) تابع له ، وجملة (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) خبره ، وقد أقيم الظاهر مقام المضمر أي عليهم لذمهم بمبدإ الاشتقاق مع الإشارة إلى علة الحكم كما ترى ، وجملة ـ يقول الأشهاد ـ قيل : مستأنفة على أنها جواب سؤال مقدر كأن سائلا سأل إذ سمع أنهم يعرضون على ربهم ما ذا يكون إذ ذاك؟ فأجيب بما ذكر ، وقيل وهو الظاهر ـ إنها معطوفة على جملة (يُعْرَضُونَ) على معنى أولئك يعرضون ويقول الأشهاد في حقهم ، أو ويقول أشهادهم والحاضرون عند عرضهم (هؤُلاءِ) إلخ ، وكأن هذا لبيان أنها مرتبطة في التقدير بالمبتدإ كارتباط الجملة المعطوفة هي عليها به ، وقيل : كفى اسم الإشارة القائم مقام الضمير للتحقير رابطا فتدبر.
(الَّذِينَ يَصُدُّونَ) أي كل من يقدرون على صده أو يفعلون الصد (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي دينه القويم وإطلاق ذلك عليه كالصراط المستقيم مجاز (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي يطلبون لها انحرافا ، والمراد أنهم يصفونها بذلك وهي أبعد شيء عنه ، وإطلاق الطلب على الوصف مجاز من إطلاق السبب على المسبب ، ويجوز أن يكون الكلام على حذف مضاف أي يبغون أهلها أن ينحرفوا عنها ويرتدوا ، وقيل : المعنى يطلبونها على عوج ونصب (عِوَجاً) على أنه مفعول به ، وقيل : على أنه حال ويؤول بمعوجين (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) أي والحال أنهم لا يؤمنون بالآخرة ، وتكرير الضمير لتأكيد كفرهم واختصاصهم به لأنه بمنزلة الفصل فيفيد الاختصاص وضربا من التأكيد ، والاختصاص ادعائي مبالغة في كفرهم بالآخرة كأن كفر غيرهم بها ليس بكفر في جنبه ، وقيل : إن التكرير للتأكيد وتقديم (بِالْآخِرَةِ) للتخصيص ، والأولى كون تقديمه لرءوس الآي.
(أُولئِكَ) الموصوفون بما يوجب التدمير (لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ) لله تعالى مفلتين أنفسهم من أخذه لو أراد ذلك (فِي الْأَرْضِ) مع سعتها وإن هربوا منها كل مهرب بعضهم كناية عن الدنيا (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) ينصرونهم من بأسه ولكن أخر ذلك لحكمة تقتضيه. و (مِنْ) زائدة لاستغراق النفي ، وجمع (أَوْلِياءَ) إما باعتبار أفراد الكفرة كأنه قيل : وما كان لأحد منهم من ولي ، أو باعتبار تعدد ما كانوا يدعون من دون الله تعالى فيكون ذلك بيانا لحال آلهتهم من سقوطها عن رتبة الولاية (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) جملة مستأنفة بين فيها ما يكون لهم ويحل بهم ، وادعى أنها تتضمن حكمة تأخير المؤاخذة ، وزعم بعضهم أنها من كلام الأشهاد ، وهي دعائية ليس بشيء.
وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب ـ «يضعّف» ـ بالتشديد (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) أي إنهم كانوا يستثقلون سماع الحق الذي جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم ويستكرهونه إلى أقصى الغايات حتى كأنهم لا يستطيعونه ، وهو نظير قول القائل : العاشق لا يستطيع أن يسمع كلام العاذل ، ففي الكلام استعارة تصريحية تبعية ، ولا مانع من اعتبار الاستعارة التمثيلية بدلها وإن قيل به ، وبالجملة لا ترد الآية على المعتزلة وكذا على أهل السنة لأنهم لا ينفون الاستطاعة رأسا وإن منعوا إيجاد العبد لشيء ما ، وكأنه لما كان قبح حالهم في عدم إذعانهم للقرآن الذي طريق تلقيه السمع أشد منه في عدم قبولهم سائر الآيات المنوطة بالإبصار. بالغ سبحانه في نفي الأول عنهم حسبما علمت واكتفى في الثاني بنفي الإبصار فقال عز قائلا : (وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) أي أنهم كانوا يتعامون عن آيات الله تعالى المبسوطة في الأنفس والآفاق ، وكأن الجملة جواب سؤال مقدر عن علة مضاعفة العذاب كأنه قيل : ما لهم استوجبوا تلك المضاعفة؟ فقيل : لأنهم كرهوا الحق أشد الكراهة واستثقلوا سماعه أعظم الاستثقال وتعاموا عن آيات الملك المتعال ، ولا يشكل على