المانعة للحياة الحقيقية (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) بإنجاء من نجا وإهلاك من هلك (وَاسْتَوَتْ) أي سفينة شريعته (عَلَى الْجُودِيِ) وهو جبل وجود نوح (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الذين عبدوا الهوى دون الحق ووضعوا الطبيعة مكان الشريعة (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ) إلخ الكلام على هذا الطرز فيه ظاهر (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ) من محل الجمع وذروة مقام الولاية والاستغراق في التوحيد إلى مقام التفصيل وتشريع النبوة بالرجوع إلى الخلق ومشاهدة الكثرة في عين الوحدة غير معطل للمراتب (بِسَلامٍ مِنَّا) أي سلامة عن الاحتجاب بالكثرة (وَبَرَكاتٍ) من تقنين قوانين الشرع (عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ) ناشئة (مِمَّنْ مَعَكَ) على دينك إلى آخر الزمان (وَأُمَمٌ) أي وينشأ ممن معك أمم (سَنُمَتِّعُهُمْ) في الدنيا (ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا) في العقبى (عَذابٌ أَلِيمٌ) بإحراقهم بنار الآثار وتعذيبهم بالهيئات المظلمة.
هذا ثم ذكر أنه إذا شئت التطبيق على ما في الأنفس أولت نوحا بروحك والفلك بكمالك العلمي والعملي الذي به نجاتك عند طوفان بحر الهيولى والتنور بتنور البدن وفورانه استيلاء الرطوبة الغريبة والأخلاط الفاسدة ، وما أشار إليه (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) بجيوش القوى الحيوانية والطبيعية وطيور القوى الروحانية ، وأولت ما جاء في القصة من البنين الثلاثة والزوجة بحام القلب وسام العقل النظري ويافث العقل العملي وزوجة النفس المطمئنة والابن الآخر الوهم والزوجة الأخرى الطبيعة الجسمانية التي يتولد منها الوهم. والجبل بالدماغ. واستواءها على الجودي وهبوطه بمثل نزول عيسى عليهالسلام في آخر الزمان انتهى ، ومن نظر بعين الإنصاف لم يعول إلا على ظاهر القصة وكان له به غنى عن هذا التأويل ، واكتفى بما أشار إليه من أن النسب إذا لم يحط بالصلاح كان غريقا في بحر العدم.
فما ينفع الأصل من هاشم |
|
إذا كانت النفس من باهله |
ومن أنه ينبغي للإنسان التحري بالدعاء وأن لا تشغله الشفقة عن ذلك إلى غير ما ذكر ، والآية نص في كفر قوم نوح عليهالسلام الذين أغرقهم الله تعالى ، وفي فصوص الحكم للشيخ الأكبر قدسسره ما هو نص في إيمانهم ونجاتهم من العذاب يوم القيامة وذلك أمر لا نفهمه من كتاب ولا سنة (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا