أعدائه ليزوجهن إياهم؟! نعم استشكل عرض بناته ـ بناء على أنهن اثنتان كما هو المشهور ، أو ثلاث كما قيل ـ على أولئك المهرعين ليتزوجوهن مع القول بأنهم أكثر منهن إذ لا يسوغ القول بحل تزوج الجماعة بأقل منهم في زمان واحد ، ومن هنا قال بعض أجلة المفسرين : إن ذلك القول لم يكن منه عليهالسلام مجريا على الحقيقة من إرادة النكاح بل كان ذلك مبالغة في التواضع لهم وإظهارا لشدة امتعاضه مما أوردوا عليه طمعا في أن يستحيوا منه ويرقوا له إذا سمعوا ذلك فيتركوا ضيوفه مع ظهور الأمر واستقرار العلم عنده وعندهم أن لا مناكحة بينه وبينهم وهو الأنسب بجوابهم الآتي ، وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس وابن أبي حاتم عن ابن جبير ومجاهد وابن أبي الدنيا وابن عساكر عن السدي أن المراد ببناته عليهالسلام نساء أمته ، والإشارة بهؤلاء لتنزيلهن منزلة الحاضر عنده وإضافتهن إليه لأن كل نبي أب لأمته ، وفي قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ـ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم.
وقرأ أبي رضي الله تعالى عنه مثل ذلك لكنه قدم (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦] على ـ وهو أب لهم ـ وأراد عليهالسلام بقوله : (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) أنظف فعلا ، أو أقل فحشا كقولك : الميتة أطيب من المغصوب وأحل منه ، ويراد من الطهارة على الأول الطهارة الحسية وهي الطهارة عما في اللواطة من الأذى والخبث ، وعلى الثاني الطهارة المعنوية وهو التنزه عن الفحش والإثم ، وصيغة أفعل في ذلك مجاز ، والظاهر ـ أن هؤلاء بناتي ـ مبتدأ وخبر ، وكذلك (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) وجوز أبو البقاء كون (بَناتِي) بدلا أو عطف بيان و (هُنَ) ضمير فصل ، و (أَطْهَرُ) هو الخبر ، وكون (هُنَ) مبتدأ ثانيا ، و (أَطْهَرُ) خبره ، والجملة خبر (هؤُلاءِ).
وقرأ الحسن وزيد بن علي وعيسى الثقفي وسعيد بن جبير والسدي «أطهر» بالنصب ، وقد خفي وجهه حتى قال عمرو بن العلاء : إن من قرأ «أطهر» بالنصب فقد تربع في لحنه وذلك لأن انتصابه على أن يجعل حالا عمل فيها ما في (هؤُلاءِ) من الإشارة أو التنبيه أو ينصب (هؤُلاءِ) بفعل مضمر كأنه قيل : خذوا هؤلاء و (بَناتِي) بدل ، ويعمل هذا المضمر في الحال و (هُنَ) في الصورتين فصل وهذا لا يجوز لأن الفصل إنما يكون بين المسند والمسند إليه ، ولا يكون بين الحال وذيها كذا قيل ، وهذا المنع هو المروي عن سيبويه وخالف في ذلك الأخفش فأجاز توسط الفصل بين الحال وصاحبها فيقول : جاء زيد هو ضاحكا ، وجعل من ذلك هذه الآية على هذه القراءة ، وقيل : بوقوعه شذوذا كما في قولهم : أكثر أكلي التفاحة هي نضيجة ، ومن منع ذلك خرج هذا على إضمار كان ، والآية الكريمة على أن (هُنَ) مبتدأ و (لَكُمْ) الخبر ، و (أَطْهَرُ) حال من الضمير في الخبر ، واعترض بأن فيه تقديم الحال على عاملها الظرفي ، والأكثرون على منعه أو على أن يكون (هؤُلاءِ) مبتدأ و (بَناتِي هُنَ) جملة في موضع خبر المبتدأ كقولك : هذا أخي هو ، ويكون (أَطْهَرُ) حالا وروي هذا عن المبرد وابن جني ، أو على أن يكون (هؤُلاءِ) مبتدأ و (بَناتِي) بدلا منه أو عطف بيان و (هُنَ) خبر و (أَطْهَرُ) على حاله.
وتعقب بأنه ليس فيه معنى طائل ، ودفع بأن المقصود بالإفادة الحال كما في قولك : هذا أبوك عطوفا وادعى في الكشف أن الأوجه أن يقدروا خذوا هؤلاء أطهر لكم ، وقوله : (بَناتِي هُنَ) جملة معترضة تعليلا للأمر وكونهن أولى قدمت للاهتمام كأنه قيل : خذوا هؤلاء العفائف أطهر لكم إن بناتي هن وأنتم تعلمون طهارتي وطهارة بناتي ؛ ويجوز أن يقال (هُنَ) تأكيد للمستكن في (بَناتِي) لأنه وصف مشتق لا سيما على المذهب الكوفي فافهم ولا تغفل (فَاتَّقُوا اللهَ) بترك الفواحش أو بإيثارهن عليهم (وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) أي لا تفضحوني في شأنهم فإن إخزاء ضيف الرجل إخزاء له ، أو لا تخجلوني فيهم ، والمصدر على الأول الخزي وعلى الثاني الخزاية ، وأصل معنى خزي لحقه انكسار إما من نفسه وهو الحياء المفرط ، وإما من غيره وهو الاستخفاف والتفضيح ، والضيف في الأصل مصدر ،